والصدقة. ومذهب أهل السنة أن لا اعتراض لأحد عليه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، والله أعلم.
مطلب: في قوله تعالى ﴿وأوحى ربك إلى النحل﴾
(سئل) عن قوله تعالى ﴿وأوحى ربك إلى النحل﴾ ما المراد بهذا الإيحاء؟
(أجاب) يعني أن الله تعالى أوحى إليها أي: ألهمها أو أنه سخرها لما خلقها له وألهمها وأرشدها، وقدر في نفسها هذه الأعمال العجيبة التي يعجز عنها العقلاء من البشر، وذلك أن النحل تبني بيوتا على شكل مهندس من أضلاع متساوية لا تزيد ولا تنقص بعضها على بعض بمجرد طباعها، ولو كانت البيوت مدورة أو مثلثة أو مربعة أو غير ذلك من الأشكال لكان فيما بينها خلال، ولما حصل المقصود، فألهمها الله تعالى أن تبنيها على هذا الشكل المسدس الذي لا يحصل فيه خلل وفرجة خالية من صنائعه، وألهمها الله تعالى أن تجعل عليها أميرا كبيرا نافذ الحكم فيها وهي تطيعه وتمتثل أمره، ويكون هذا الأمير أكبرها جثة وأعظمها خلقة، ويسمى بيعسوب النحل، يعني ملكها، وألهمها الله تعالى أيضا أن تجعل على باب كل خلية بوابا لا يمكن غير أهلها من الدخول إليها، وألهمها الله تعالى أن تخرج من بيوتها تدور وترعى، ثم ترجع إلى بيوتها ولا تضل عنها، ولما امتازت بهذه الخواص العجيبة دل ذلك على الإلهام الإلهي، وكان شبيها بالوحي والله أعلم.
(باب ما يتعلق بالحديث الشريف)
مطلب: في قوله ﷺ «إذا مات ابن آدم انقطع عمله» إلخ
(سئل) هل في قوله ﷺ «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» المروي للبخاري في التاريخ، ورواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ورواه مسلم أيضا - دلالة على انقطاع كرامة الأولياء بعد موتهم كما يعتقد ذلك بعض من طمس الله على قلوبهم وأبصارهم فهم لا يعقلون؟ وهل تقاس الكرامة على المعجزة المنقطعة بالموت؟ وهل في قول صاحب بدء الأمالي:
كرامات الولي بدار دنيا ... لها كون فهم أهل النوالي
دلالة أيضا على انقطاعهم بعد الموت، فإن كثيرا من الجهلة الذين لا خلاق لهم، ولم يشاهدوا أنوار الله في أوليائه أحياء وأمواتا؛ لأنهم في دار ليس بها ولي ولا نبي، وابتلوا بالحرمان، فهم في ظلمات يترددون، وفي غمرات من الجهل يسيرون، وعلى ربهم لا على أولياء الله يعترضون، إذ هو تعالى المؤيد لهم والمظهر لكرامتهم، فما الحال في ذلك؟
(أجاب) اعلم وفقني الله وإياك وشرح صدري وصدرك وجعلني وإياك ممن اعتقد لا ممن انتقد أنه لا دلالة في الأمور الثلاثة على انقطاع الكرامة أصلا؛ لأن الكرامة محض صنع الله تعالى، لا دخل فيها للولي قطعا، ولو قصدها بالتوجه له تعالى، بل بعض الأولياء تنفر نفوسهم ويخافون من ظهورها لأمور منها خوف المكر بهم
1 / 44