والاستدراج، ومنها الخوف من النفس واسترسالها وإعجابها، ومنها خوف الركون إلى الكرامة، ومنها الخوف على خلق الله تعالى، فقد شاهدنا بعض أرباب القلوب يعتدي عليه بعض الناس، فيخاف عليه من الله تعالى وانتقامه منه، فيبات مشتغلا له بالدعاء، وإن الله تعالى لا يؤاخذه بذنبه، ومع ذلك يحصل للمعتدي ضرر كبير، وهذا مقام إبراهيمي أخذا من قوله تعالى حكاية عنه على نبينا وعليه الصلاة والسلام في شأن الأصنام وعبادها ﴿رب أنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم﴾ فتأمل كيف إبراهيم ﵊ يعرض بطلب المغفرة لمن عصاه ولو بعبادة الأصنام رحمة منه وشفقة على عباد الرحمن، ولم يقل: ومن عصاك؛ لأن ذلك الذي ذكره أبلغ في طلب المغفرة من الله تعالى للعاصين؛ لأن إبراهيم ﵊ طلب المغفرة لمن عصاه من الله تعالى تلويحا منه بأن يغفر الله له أيضا؛ لأنه طلب المغفرة لمن عصاه وهو مخلوق، فكيف بالخالق وهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين؟ إذا علمت ذلك علمت أن الكرامة ليست من عمل العبد المنقطع بالموت، بل هي محض فضل الله تعالى، وفضله ليس للعبد فيه دخل أصلا، فلا تدخل في عموم قوله ﷺ «انقطع عمله»؛ لأنها ليست عملا للعبد، على أن هذا الحصر ليس بحقيقي؛ لأنه ورد في أحاديث غير هذا أمور كثيرة لا ينقطع فيها عمل العبد، فعدها الجلال السيوطي رحمه الله تعالى عشرة في قوله في أبيات:
إذا مات ابن آدم ليس يجري ... عليه من أمور غير عشر
علوم بثها ودعاء نجل ... وغرس النخل والصدقات تجري
وراثة مصحف ورباط ثغر ... وحفر البئر أو إجراء نهر
وبيتا للغريب بناه يأوى ... إليه أو بناء محل ذكر
ولتعليم لقرآن كريم ... فخذها من أحاديث بحصر
وسبقه إلى ذلك ابن العماد، فعدها ثلاثة عشر، وسرد أحاديثها، هذا هو الجواب من الحديث، وأما (الجواب) عن المعجزة فهي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، فقولنا: "بالتحدي" يخرج به الكرامة؛ لأنها لا تحدي فيها بل هي إكرام وتأييد من الله تعالى لأوليائه؛ حفظا لهم كما حفظوه، وتعظيما لهم كما عظموه، فهم لم يقصدوها، بل ربما لم يريدوها، فيجريها الله تعالى على وفق مرادهم؛ حفظا لهم وتعظيما، سواء كانوا أحياء أو أمواتا، أما المعجزة فالمراد منها معارضة الخصوم المكذبين والمنكرين على أنها قد تبقى بعد الموت كما في القرآن، فهو المعجزة المستمرة﴾ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ﴿وهو معنى التحدي المذكور في المعجزة، فقد ظهر الفرق بين المعجزة
1 / 45