وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعونون، وأيضا فقد روى البخاري في صحيحه أنه عليه السلام قرأ سورة والنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والإنس والجن، وليس فيه حديث الغرانيق، بل روى هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق، ولا شك أن من جوز على الرسول تعظيم الأوثان فقد كفر، لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان، ولو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه، وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك، أي: مما ألقاه الشيطان على لسانه، ويبطل قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}(المائدة:67) فإنه لا فرق في العقل بين النقصان من الوحي وبين الزيادة فيه.
قال: فبهذه الوجوه النقلية والعقلية عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة، وقد قيل: إن هذه القصة من وضع الزنادقة لا أصل لها.
وقال ابن العربي: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة لا أصل لها.
وقال القاضي عياض: هذا الحديث لم يخرجه أهل الصحة ولا رواة ثقة بسند سليم متصل، مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع أسانيده، قال: ومن حكيت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صحابي، وأكثر الطرق عنهم في ذلك واهية. قال: وقد بين البزار أن الحديث لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا من طريق أبي بشير عن سعيد بن جبير، مع الشك الذي وقع في وصله. قال: وأما الكلبي فلا تجوز الرواية عنه لقوة ضعفه، ثم رده من طريق النظر بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم. قال: ولم ينقل ذلك.
وأما من أثبت القصة فقد تأولها بتأويلات منها: قول بعضهم: جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنة من النوم وهو لا يشعر، فلما أعلمه الله بذلك أحكم آياته. ورد بأنه لا يصح لكونه لا يجوز على النبي ذلك، ولا ولاية للشيطان عليه في النوم ولا في اليقظة.
صفحہ 39