الله عليه وسلم لمن سأله من آحاد الصحابة كيف رأيت ربك فقال نورانيا أراه وقال لأكابر الصحابة رأيت ربي قولا واحدا فما قال لغير الأكابر ما قال إلا خوفا عليهم أن يتخيلوا في جناب الحق تعالى ما لا يليق به ونظير ذلك تقريره صلى الله عليه وسلم أبا بكر على خروجه عن ماله كله وقوله لكعب بن مالك حين أراد أن ينخلع من ماله لما تاب الله عليه أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ونظير ذلك أيضا حديث ابدأ بنفسك ثم بمن تعول مع مدح الله تعالى المؤثرين على أنفسهم فقوله ابدأ بنفسك خطاب للكمل عملا بحديث الأقربون أولى بالمعروف وإلا أقرب إليك من نفسك وأما قوله تعالى ويؤثرون على أنفسهم فهو خطاب لغير أكابر الصحابة وإنما مدحهم على ذلك ليخرجوا من ورطة الشح الذي فتحوا عيونهم عليه في الدنيا فإذا خرجوا عن ذلك أمروا بالبداءة بأنفسهم لأنها وديعة الله تعالى عندهم بخلاف غيرها ليس هو وديعة عندهم وإنما هو جار لهم * وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول إذا ظلم الكامل ذاته بتقديم غيرها عليها آخذه الله بذلك بخروجه عن العدل المأمور به بخلاف المريد كأنه مسامح بظلم نفسه في مرضاة الله تعالى وتحميلها فوق طاقتها من العبادات بل يثاب على ذلك فإذا وصل إلى نهاية السلوك النسبية التي بمثابة بلوغ مرام من وصل دار الملك وعرفه ممن له عنده حاجة أمر حينئذ بالإحسان إلى نفسه لأنها كانت مطيته في الوصول إلى حضرة ربه وأما ما ورد من شد النبي صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه من الجوع ونحوه من المجاهدات فإنما ذلك تنزلا وتشريعا لآحاد الأمة فلو أنه صلى الله عليه وسلم وقف مع مقامه الشريف الذي يعامل به ربه ولم يتنزل لعسر على غالب أمته الصدق والإخلاص في اتباعه انتهى * (فصل) * إن قال قائل كيف الوصول إلى الاطلاع على عين الشريعة المطهرة التي يشهد الإنسان اغتراف جميع المجتهدين مذاهبهم منها ويشهد تساويها كلها في الصحة كشفا ويقينا لا إيمانا وتسليما فقط ولا ظنا وتخمينا فالجواب طريق الوصول إلى ذلك هو السلوك على يد شيخ عارف بميزان كل حركة وسكون بشرط أن يسلمه نفسه يتصرف فيها وفي أموالها وعيالها كيف شاء مع انشراح قلب المريد لذلك كل الانشراح وأما من يقول له شيخه طلق امرأتك أو أسقط حقك من مالك أو وظيفتك مثلا فيتوقف فلا يشم من طريق الوصول إلى عين الشريعة المذكورة رائحة ولو عبد الله تعالى ألف عام بحسب العادة غالبا فإن قلت فهل ثم شروط أخر في حال السلوك فالجواب نعم من الشروط أن لا يمكث لحظة على حدث في ليل أو نهار ولا يفطر مدة سلوكه إلا لضرورة ولا يأكل شيئا فيه روح من أصله ولا يأكل إلا عند حصول مقدمات الاضطرار ولا يأكل من طعام أحد لا يتورع في مكسبه كمن يطعمه الناس لأجل صلاحه وزهده وكمن يبيع على من لا يتورع من الفلاحين وأعوان الولاة وأن لا يسامح نفسه بالغفلة عن الله لحظة بل يديم مراقبته ليلا ونهارا فتارة يشهد نفسه في مقام الاحسان كأنه يرى ربه وتارة يشهد نفسه في مقام الايقان بعد الاحسان فيرى ربه ينظر إليه على الدوام إيمانا بذلك لا شهودا وذلك لأن هذا أكمل في مقام التنزيه لله عز وجل من شهود العبد كأنه يرى ربه لأنه لا يشهد إلا ما قام في مخيلته وتعالى الله عن
صفحہ 22