كل شئ يخطر بالبال فافهم فإن قال قائل فما كان كيفية سلوك صاحب هذه الميزان فالجواب أني أخذتها أولا عن الخضر عليه السلام علما وإيمانا وتسليما ثم إني أخذت في السلوك على يد سيدي على الخواص حتى اطلعت على عين الشريعة ذوقا وكشفا ويقينا لا أشك فيه فجاهدت في نفسي كذا كذا سنة وجعلت لي حبلا في سقف خلوتي أوضعه في عنقي حتى لا أضع جنبي على الأرض وبالغت في التورع حتى كنت أسف التراب إذا لم أجد طعاما يليق بمقامي الذي أنا عليه في الورع وكنت أجد للتراب دسما كدسم اللحم أو السمن أو اللبن وسبقني إلى نحو ذلك إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه فمكث عشرين يوما يسف التراب حين فقد الحلال المشاكل لمقامه انتهى وكذلك كنت لا أمر في ظل عمارة أحد من الولاة ولما عمل السلطان الغوري الساباط الذي بين مدرسته وقبته الزرقاء كنت أدخل من سوق الوراقين وأخرج من سوق الشرب ولا أمر تحت ظله وكذلك الحكم في جميع عمارات الظلمة والمباشرين والأمراء وأعوانهم وكنت لا آكل من شئ إلا بعد تفتيشي فيه غاية التفتيش ولا أكتفي فيه برخصة الشرع وأنا على ذلك بحمد الله تعالى إلى الآن ولكن مع اختلاف المشهد فإني كنت فيما مضى أنظر إلى اليد المالكة له والآن أنظر إلى لونه أو رائحته أو طعمه فأدرك للحلال رائحته طيبة وللحرام رائحة خبيثة وللشبهات رائحة دون الحرام في الخبث فاترك ذلك عند هذه العلامات فأغناني ذلك عن النظر إلى صاحب اليد ولم أعول عليه فلله الحمد على ذلك فلما انتهى سيري إلى هذه الحدود وقفت بعين قلبي على عين الشريعة المطهرة التي يتفرع منها قول كل عالم ورأيت لكل عالم جدولا منها ورأيتها كلها شرعا محضا وعلمت وتحققت أن كل مجتهد مصيب كشفا ويقينا لا ظنا وتخمينا وأنه ليس مذهب أولى بالشريعة من مذهب ولو قام لي ألف مجادل يجادلني على ترجيح مذهب على مذهب بغير دليل واضح لا أرجع إليه في قلبي وإنما أرجع إليه إن رجعتم مداراة له لحجابه وأقول له نعم مذهبك أرجح أعني عنده هو لا عندي أنا ومن جملة ما رأيت في العين جداول جميع المجتهدين الذين اندرست مذاهبهم لكنها يبست وصارت حجارة ولم أر منها جدولا يجري سوى جداول الأئمة الأربعة فأولت ذلك ببقاء مذاهبهم إلى مقدمات الساعة ورأيت أقوال الأئمة الأربعة خارجة من داخل الجداول كما سيأتي صورته في فصل الأمثلة لاتصال مذاهب العلماء بالشريعة وإيصالها العامل بها إلى باب الجنة إن شاء الله تعالى فجميع المذاهب الآن عندي متصلة ببحر الشريعة اتصال الأصابع بالكف والظل بالشاخص ورجعت عن اعتقادي الذي كنت اعتقده قبل ذلك من ترجيح مذهبي على غيره وأن المصيب من الأئمة واحد لا بعينه وسررت بذلك غاية السرور فلما حججت سنة سبع وأربعين وتسعمائة سألت الله تعالى في الحجر تحت ميزاب الكعبة الزيادة من العلم فسمعت قائلا يقول لي من الجو أما يكفيك إنا أعطيناك ميزانا تقرر بها سائر أقوال المجتهدين وأتباعهم إلى يوم القيامة لا ترى لها ذائقا من أهل عصرك فقلت حسبي وأستزيد ربي انتهى فإن قلت فإذن سبب حجاب بعض ضعفاء المقلدين عن شهود عين الشريعة الأولى إنما هو غلظ حجابه بأكل الحرام والشبهات وارتكاب المخالفات فالجواب نعم وهو كذلك فإن قلت فما حكم من
صفحہ 23