في الناس من يقدر على الاستنباط ومن يعجز عن ذلك في كل عصر وكان ابن حزم يقول جميع ما استنبطه المجتهدون معدود من الشريعة وإن خفي دليله على العوام ومن أنكر ذلك فقد نسب الأئمة إلى الخطأ وأنهم يشرعون ما لم يأذن به الله وذلك ضلال من قائله عن الطريق والحق أنه يجب اعتقاد أنهم لولا رأوا في ذلك دليلا ما شرعوه فرجع الأمر كذلك في قضية الاستنباط إلى مرتبتي الشريعة كالقياس فمن أمر الناس باتباع كل ما شرعه المجتهدون فقد شدد ومن لم يأمرهم إلا بما صرحت به الشريعة أو أجمع عليه العلماء فقد خفف في الجملة لأنه من باب فمن تطوع خيرا فهو خير له والحمد لله رب العالمين * (فصل) * من لازم كل من لم يعمل بهذه الميزان التي ذكرناها وترك العمل بجميع الأقوال المرجوحة نقصان الثواب غالبا وسوء الأدب مع جميع أصحاب تلك الأقوال والوجوه من العلماء عكس ما يحصل لمن عمل بالميزان فإن ذلك المرجوح الذي ترك هذا العبد العمل به لا يخلوا ما أن يكون أحوط للدين فهذا لا ينبغي ترك العمل به وإما أن يكون غير أحوط فقد يكون رخصة والله يحب أن تؤتي رخصة كما صرح به الحديث أي بشرطه ويكون على علم الإخوان أن لكل سنة سنها المجتهدون أو بدعة حرمها المجتهدون درجة في الجنة أو دركا في النار وأن تفاوت مقامهم ونزل عما سنه الشارع أو كرهه كما صرح به أهل الكشف فاعلم ذلك واعمل بكل ما سنه لك المجتهدون واترك كل ما كرهوه ولا تطالبهم بدليل في ذلك فإنك محبوس في دائرتهم ما دمت لم تصل إلى مقامهم لا يمكنك أن تتعداهم إلى الكتاب والسنة وتأخذ الأحكام من حيث أخذوا أبدا * وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول اعملوا بكل أقوال الأئمة التي ظاهرها المخالفة لبعضهم بعضا عند اجتماع شروط العمل بها فيكم لتحوزوا الثواب الكامل فأين مقام من يعمل بالشريعة كلها ممن يرد غالبها ولا يعمل به إذ المذهب الواحد لا يحتوي أبدا على جميع الأدلة ولو قال صاحبه في الجملة إذا صح الحديث فهو مذهبي بل ربما ترك أتباعه العمل بأحاديث كثيرة صحت بعد إمامهم وذلك خلاف مراد إمامهم فافهم انتهى فإن توقف إنسان في حصول الثواب بما سنه المجتهدون وطالبنا بالدليل على ذلك قلنا له إما أن تؤمن بأن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم فلا يسعه إن كان صحيح الاعتقاد إلا أن يقول نعم فنقول له فحيثما آمنت بأنهم على هدى من الله تعالى وأن مذاهبهم صحيحة لزمك الإيمان بالثواب لكل من عمل بها على وجه الاخلاص وحصول المراتب لمن عمل بها في الجنة وإن تفاوت المقام فإن ما سنه الشارع أعلى مما سنه المجتهد لا سيما وقد قال صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى آخر ما قال عليه الصلاة والسلام فافهم والله أعلم * (فصل) * ينبغي لكل مؤمن الإقبال على العمل بكل حديث ورد وبكل قول استنبط أي بشرطه لأنه لا يخرج عن مرتبتي الميزان أبدا * وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول كل ما ترونه في كلام الشارع وكلام أحد من الأئمة مخالفا للآخر في الظاهر فهو محمول على حالين لأن كلام الشارع يجل عن التناقض وكذلك كلام الأئمة لمن نظر فيه بعين العلم والإنصاف لا بعين الجهل والتعصب كما مر قال وتأملوا قوله صلى
صفحہ 21