40

فقال كنديد: «كيف نعود إليها؟ وأين نذهب؟ إذا ما ذهبت إلى بلدي وجدت البلغار والآبار يذبحون كل إنسان، وإذا رجعت إلى البرتغال أحرقت فيها، وإذا بقيت في هذا البلد لم أضمن عدم وضعي على السفود في كل حين، ولكن كيف أغادر قسم العالم الذي تسكنه كونيغوند؟»

وقال ككنبو: «لنتحول إلى كاين، ففيها نجد فرنسيين يذهبون نحو كل صوب، ويمكنهم أن يساعدونا، وقد يرحمنا الله.»

ولم يكن الذهاب إلى كاين أمرا سهلا. أجل، إنهما عرفا أي ناحية يتوجهان إليها تقريبا، غير أن الجبال والأنهار والوهاد واللصوص والمتوحشين كانت عوائق هائلة في كل مكان، وقد هلك فرساهما تعبا، وقد نفد زادهما، فتغذيا بفواكه برية شهرا كاملا، وأخيرا كانا عند نهر صغير قائم على طرفه شجر نارجيل،

1

فكان لهما به تقويم لأودهما، وتقوية لآمالهما.

ولكنديد قال ككنبو - الذي كان يسدي بنصائح صالحة، كالتي تسدي العجوز: «صرنا لا نستطيع السير، فقد مشينا بما فيه الكفاية، وأبصر على الضفة قاربا خاليا، فلنملأه نارجيلا، ولنرم أنفسنا في هذا الزورق الصغير، ولنسر مع الجريان، فالنهر يؤدي إلى مكان مسكون دائما، وإذا لم نجد أشياء مستحبة، وجدنا أشياء جديدة»، فقال كنديد: «لنذهب، ولنتوكل على الله.»

سارا مع التيار بضعة فراسخ بين الضفاف التي كانت زاهرة تارة، وجافة أحيانا، وسهلة مستوية تارة، ووعرة منحدرة أحيانا، وكان النهر يتسع باستمرار، وأخيرا توارى تحت قبة من الصخور الهائلة التي كانت تناطح السماء، وقد كان لدى السائحين من الجرأة ما استسلما معه للتيار تحت هذه القبة، ويحملهما النهر الضيق في هذا المكان بسرع ودوي هائلين، ويبصران النور ثانية بعد أربع وعشرين ساعة، غير أن قاربهما تكسر على الصخر، فوجب زحفهما من صخرة إلى صخرة مسافة فرسخ كامل، وأخيرا اكتشفا أفقا واسعا تجاوره جبال منيعة، وكان البلد مزروعا عن بهجة كما كان مزروعا عن حاجة، وكان النافع في كل مكان مقترنا بالممتع، وكانت الطرق زاخرة - وإن شئت فقل مزخرفة - بعربات رائعة شكلا، ساطعة مادة، حاملات رجالا ونساء، على جانب عجيب من الجمال، مجررات بكباش سمان حمر، تفوق بسرعتها أروع أفراس الأندلس وتطوان ومكناسة.

ويقول كنديد: «ومع ذلك فإن هذا البلد أفضل من فستفالية.»

وينزل إلى البر مع ككنبو قريبا من أول قرية لاقياها، وكان بعض أولاد القرية اللابسين إستبرقا

2

نامعلوم صفحہ