وكان الجميع يصرخ قائلا: «هذا يسوعي، هذا يسوعي، سننتقم ونتناول غداء فاخرا، لنأكل اليسوعي، لنأكل اليسوعي.»
صرخ ككنبو قائلا بحزن: «لقد قلت لك يا سيدي العزيز إن تينك الفتاتين ستدبران لنا مكيدة سيئة»، ويبصر كنديد القدر والسفافيد، ويقول صارخا: «سنشوى ونغلى لا ريب، آه! ماذا كان يقول الأستاذ بنغلوس لو رأى ما الحال الطبيعية الخالصة؟ ليكن كل شيء حسنا، ولكنني أعترف بأن من القسوة ضياع الآنسة كونيغوند، والوضع على السفود من قبل الأوريون.»
ولم يفقد ككنبو صوابه قط، فقال لكنديد الحزين: «لا تيأس، فقد فهمت قليلا من لهجة هؤلاء الأقوام، فسأكلمهم.»
ويقول كنديد: «لا يفتك أن تبين لهم ما في طبخ الناس من فظاعة شنيعة، وابتعاد عن النصرانية.»
قال ككنبو: «أيها السادة، أراكم عازمين على أكل يسوعي اليوم، وهذا عمل حسن جدا، ولا شيء أكثر عدلا من معاملة الأعداء على هذا المنوال، والواقع أن الحق الطبيعي يعلمنا قتل جارنا، ويسار على هذا في جميع الأرض، وإذا كنا لا نستعمل حق أكل الجار، فذلك لوجود وسائل أخرى نرتع بها، بيد أنكم لا تملكون مثل وسائلنا. والحق أن أكل الإنسان لأعدائه أفضل من تركه ثمرة انتصاره للغربان والزيغان، ولكنكم أيها السادة، لا تريدون أكل أصدقائكم، وأنتم تعتقدون أنكم ستضعون يسوعيا على السفود، مع أن هذا الذي ستشوون هو نصيركم وعدو عدوكم، وأنا ولدت في بلدكم، والسيد الذي ترون هو مولاي، وقد قتل يسوعيا فضلا عن بعده من اليسوعية، وهو يلبس ما سلب منه، وهذا هو سبب خطئكم، فخذوا هذه الحلة لأول حاجز من مملكة الآباء اليسوعيين تحقيقا لما قلت لكم، واسألوا عن صحة قتل مولاي لضابط يسوعي، ولا يستلزم هذا غير زمن قصير، فإذا وجدتم أنني كذبتكم الحديث أمكنكم أن تأكلونا في كل وقت، وإذا ما رأيتم أني قلت الحقيقة عفوتم عنا، وأنتم العارفون جيدا بمبادئ الحقوق العامة وبالأخلاق والقوانين.»
وجد الأوريون هذا القول موافقا للصواب كثيرا، فبعثوا اثنين من وجهائهم على جناح السرعة ليأتيا بالخبر الصحيح، ويتم المبعوثان رسالتهما بإخلاص، ولا يلبثان أن يعودا حاملين أنباء حسنة، ويفك الأوريون قيود أسيريهم، ويعاملونهما بضروب التكريم، ويقدمون إليهما فتيات، ويعطونهما مرطبات، ويرافقونهما حتى حدود بلادهم، هاتفين مسرورين: «ليس يسوعيا مطلقا! ليس يسوعيا مطلقا!»
ولم ينفك كنديد يعجب من سبب نجاته، فيقول: «يا له من شعب! يا لهم من أناس! يا لها من طبائع! لو لم أكن سعيدا بطعني أخا الآنسة كونيغوند من وسطه بسيفي لأكلت لا ريب، ولكن الطبيعة الخالصة طيبة بعد ذلك كله، وذلك ما دام أولئك الناس أكرموني ألف إكرام بعد أن عرفوا أنني لست يسوعيا، وذلك بدلا من أكلي.»
الفصل السابع عشر
وصول كنديد وخادمه إلى بلد إلدورادو، وما شاهدا فيه
وصلا إلى حدود الأوريون فقال ككنبو لكنديد: «ترى أن نصف الكرة الأرضية هذا ليس خيرا من الآخر، فاسمع نصيحتي أن نعود إلى أوروبا من أقصر طريق.»
نامعلوم صفحہ