وظل هو يرمش في قرفصته، ضاما ركبتيه الناحلتين بساعديه، باذلا أقصى جهده في أن يبدو ثابتا تحت وابل الإضاءات المكثفة والعيون، خاصة الرئيس والنائبة التي سبق أن التهمت سؤاله على الورقة قبل أن يقع الدوي المفاجئ بلحظات: توقيت مريب، عقاب.
قاربه الرئيس دون أن يراه، وقدم له منظاره، فابتسم من فوره، ووضعه على عينيه فرحا أكثر مما شجع النائبة البضة على بذل جهد أكبر وأشق في التدافع مع المسئولين ومصوري الصحف النشطين الذين اجتذبتهم زوايا جديدة لإعادة تصويره بالمنظار مبتسما، فرحا، متطلعا إلى ما حوله في حالة من الصفاء المحلق نادرة.
لكن ما أزعجه حقا هو محاولته لرد التحيات الكثيرة التي انهالت عليه: حمدا لله على السلامة.
ذلك أن صوته الأجش المبحوح على الدوام لم يخرج أصلا ليصل أذنا قريبة منه إلى حد ملامسته والتقارب معه داخل «كدر» فوتوغرافي.
مضى معانيا في توضيح حركة شفتيه للرد على كبار الزوار وصغارهم، لمجرد المجاملة، تبادل التحيات: متشكر قوي، دا كرم منك، سليمة سليمة، إلهي يهد حيلهم.
بل هو حاول التندر مع الوزير بنطق: «عمر الشقي بقي.»
إلى حد مقاربته ليصب مزحته هذه في أذنه اليمنى بلا طائل، ذلك أن الوزير وسكرتيرته الحسناء وطبيب العنبر أعادوا المحاولة لسماعه ثلاث مرات. الوزير، السكرتيرة، طبيب العنبر إلى أن تقدم منه الرئيس والنائبة في انزعاج قليل لاستيضاح الأمر، فلعله يتشكى، حتى إن النائبة قاربته بدورها مهونة واعدة: سؤالك عندي، في عنيه.
مشيرة إلى فمها.
وحاول هو إيضاح الأمر أكثر، لا يشكو، مجرد مزحة: عمر الشقي بقي.
مشيرا معتدلا إلى رقبته.
نامعلوم صفحہ