ومن جديد ضاع صوته الأجش، وطبطبت على ظهره النائبة منسحبة في أثر الوفد المتقدم، فظل مستقرا في جلسته، غير مقدم على التغيير من زاوية قرفصته، ذلك أن الركب تحرك من خلف ظهره، إلى أن غمرته إضاءة العنبر الطبيعية بدلا من الفلاشات التي صاحبت تقدم الركب الرسمي.
ظل مثبتا في وضعه ذاك، ذراعاه تطوقان ركبتيه مبتسما، في رضاء، جلس متطلعا عبر منظاره المقرب إلى الجهة المقابلة، لحين أن أخرجه من وضعه الساكن ذاك الإضاءة التي عادت فغمرت ظهره المقرفص، ومنطقة قفاه، ومطلع رأسه الأميل إلى الاستطالة الرأسية باتجاه جبهته.
أخجله إلى حد تكثيف الإضاءة التي داخلها الكثير من ألوان قوس قزح، تبعا لحركة الضوء وزواياه، أنه غطس قليلا في ياقة قميصه، دون أن يستدير مستطلعا الأمر: إيه اللي بيحصل ... ولو.
خفت الضجة بخروج الوزير وكبار المسئولين من الباب الخلفي وتبعهم الباقون، بعد أن أدوا دورهم وأخذوا الصور التذكارية الصحفية.
حط وجوم أقرب إلى السكون على العنبر وجرحاه، فيما عدا وجه العالية حين تحركت بعينيها يمنة ويسرة كمن تبحث عن شيء لنراه.
قفز من فوره حافيا مجرجرا ملاءة سريره باتجاه سريرها وهي مسجاة تهمس بلا صوت، قاربها، حين انكب مطلا بوجهه الطويل المتندم على الدوام على وجهها، مكتشفا من فوره أنها ليست الأخت الصغرى العالية.
عاد من فوره إلى فراشه، معيدا التروي والتفكير فيما حدث ويحدث ماثلا أمامه بكامله: ما معنى هذا؟ ها أنا ذا أتحرك، ليس بي خدش ولا حتى رضوض بسيطة، بل إنه حتى ليس هناك أدوية، أو موضع لمطهر ميكروكروم، أين؟
راح يتفحص أعضاء ومكونات جسده الناحل العظمي مفرط الطول، والتدفق المتلاحق بالحركة والحيوية، تحسس ذراعيه، منطقة رقبته، كيعانه، ساقيه، مقدمة سلسلة ظهره، أسنانه، ركبتيه، تسمع دقات قلبه. - أين؟
أدهشه إلى حد كبير أن ليس بجسده بكامله أية آلام، مركزا انتباهه على موضع آلام بواسيره، وأزعجه أكثر أنها باردة لا تنبض بأدنى ألم. - ماذا جرى؟
هب جالسا نصف جلسة قافزا في رشاقة إلى إحدى زوايا فراشه متسائلا: لماذا أنا هنا؟
نامعلوم صفحہ