ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ١. وإن قال: أنا أسأله؛ لأنه أقرب إلى الله مني؛ ليشفع لي؛ لأني أتوسل إلى الله به، كما يتوسل إلى السلطان بِخَوَاصه وأعوانه، فهذا من أفعال المشركين والنصارى فإنهم يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شفعاء، يستشفعون بهم في مطالبهم؛ ولذلك أخبر الله عن المشركين، أنهم قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ ٢. وقد قال سبحانه: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ﴾ ٣، إلى قوله: ﴿تُرْجَعُونَ﴾ . وقال: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ﴾ ٤. وقال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ ٥.
فبيَّن الفرق بينه وبين خلقه، فإن من عادات الناس أن يستشفعوا إلى الكبير بمن يَكْرُمُ عليه، فيسأله ذلك الشفيع فيقضي حاجته إما رغبة، وإما رهبة، وإما حياء، وإما غير ذلك، فالله –سبحانه- لا يشفع عنده أحد حتى يأذن هو للشافع، فلا يفعل إلا ما يشاء، وشفاعة الشافع عن إذنه، والأمر كله له، فالرغبة يجب أن تكون إليه كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ ٦. والرهبة تكون منه، قال تعالى: ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ ٧. وقال: ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ ٨. وقد أمرنا أن نصلي على النبي ﷺ في الدعاء، وجعل ذلك من أسباب إجابة دعائنا.
وقول كثير من الضُّلال: هذا أقرب إلى الله مني، وأنا بعيد منه، لا يمكن أن ندعوه إلا بهذه الواسطة، ونحو ذلك- هو من قول المشركين، فإن الله -تعالى- يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ ٩.
وقد روي أن الصحابة ﵃ قالوا: يا رسول الله، ربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنَزلت الآية. وقد أمر الله تعالى العباد كلهم بالصلاة له ومناجاته، وأمر كُلا منهم أن يقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ١٠.
شبهة من يدعو غير الله
ثم يقال لهذا المشرك: أنت إذا دعوتَ هذا، فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك
_________
١ سورة التوبة آية: ٣١.
٢ سورة الزمر آية: ٣.
٣ سورة الزمر آية: ٤٣.
٤ سورة السجدة آية: ٤.
٥ سورة البقرة آية: ٢٥٥.
٦ سورة الشرح آية:٧، ٨.
٧ سورة النحل آية: ٥١.
٨ سورة المائدة آية: ٤٤.
٩ سورة البقرة آية: ١٨٦.
١٠ سورة الفاتحة آية: ٥.
1 / 271