كما نقص هذا العصفور من هذا البحر"، فتأمل هذا وتدبر!
كذب المعترض على أهل العلم ما لم يقولوه في معنى مفاتيح الغيب
وأما قول المعترض وتأويله لقول الله –تعالى-: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ﴾ ١، فتأويلٌ فاسدٌ، ما قاله أحد غيره؛ ولا يقوله مسلم من أنه يعلم الغيب بتعليم الله له، والمنفي في الآية: أن يعلمه بنفسه بدون أن يُعْلِمَهُ الله ذلك، فما أجرأ هذا الجاهل على هذا التأويل، وما أجهله بالله وبكتابه!
(فيقال في الجواب): لا ينفعك هذا التأويل الفاسد؛ إذ لو كان يعلم أحد جميع الغيب بتعليم الله؛ لصدق عليه أن يقال: هذا يعلم الغيب كله الذي يعلمه الله، فما بقي على هذا -لقصر علم الغيب على الله- في هذه الآية معنى، وحصل الاشتراك، نعوذ بالله من الافتراء على الله، وعلى كتابه، وخرق ما لم ينْزل الله به سلطانا.
وأما قوله في قول الناظم:
إن لم تكن في معادي آخذًا بيدي
إن الأخذ باليد بالشفاعة.
(فالجواب): أن حقيقة هذا القول وصريحه: طلب ذلك من غير الله، فلو صح هذا الحمل فالمحذور بحاله، لما قد عرفتَ من أن الاستغاثة بالأموات والغائبين والاستشفاع بهم في أمر هو في يد الله ممتنعٌ حصوله لكونه تأليها وعبادة.
وقد أبطله القرآن، فهذا المعترِض الجاهل يدور على منازعة الله في حقه وملكه وشمول علمه، والله يجزيه بعمله. وأما قوله: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ﴾ ٢ فقيل: المراد بها: الخمس المذكورة في سورة لقمان. وهذا قبل أن يُطْلِع الله نبيه عليها، وإلا فقد ذكر عامة أهل العلم أنه لم يتوفاه الله –تعالى- حتى علَّمه كل شيء حتى الخمس.
(فالجواب): انظر إلى هذا المفتري الجاهل البليد، كيف اقتفى أثر صاحب الأبيات في جميع ما اختلقه وافتراه، وأكثر من الأكاذيب على أهل العلم في قوله: ذكر عامة أهل العلم أنه لم يتوفاه الله حتى علَّمه كل شيء حتى الخمس؟ فحاشا أهل
_________
١ سورة النمل آية: ٦٥.
٢ سورة الأنعام آية: ٥٩.
1 / 255