ثم قال المعترض- على قول المجيب: وطلب الشفاعة من النبي ﷺ ممتنعٌ شرعًا وعقلا، قال المعترض- من أين هذا الامتناع؟ وما دليله من العقل والسمع؟
(فالجواب) أن يقال: معلوم أن دليله من الجهتين لا تعرفه أنت، ومن كان مثلك، وإنما معرفتك في اللجاج، الذي هو كالعجاج الذي يحوم في الفجاج، أما دليله من السمع: فقد تقدم في آيات الزُّمَر ويونس وغيرها، وقد بسطنا القول في ذلك بما يغني عن إعادته؛ فليرجع إليه.
وأما دليله من العقل: فالعقل الصحيح يقضي ويحكم بما يوافق النقل: بأن النجاة والسعادة والفلاح، وأسباب ذلك كله لا تحصل إلا بالتوجه إلى الله –تعالى- وحده، وإخلاص الدعاء والالتجاء له وإليه؛ لأن الخير كله بيديه، وهو القادر عليه.
تسوية المخلوق بالخالق خلاف العقل
وأما المخلوق فليس في يده من هذا شيء، كما قال تعالى: ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ ١، فتسوية المخلوق بالخالق خلاف العقل، كما قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ٢. فالذي له الخلق والأمر والنعم كلها منه، وكل مخلوق فقيرٌ إليه لا يَستغني عنه طرفة عين، هو الذي يستحق أن يُدْعَى وَيُرْجَى ويُرْغَبُ إليه، وَيُرْهَبُ منه، ويُتَّخَذَ مَعَاذًا ومَلاذًا، ويُتَوَكَّلُ عليه، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ ٣.
التوكل على الله جماع الإيمان
وقال المفسرون المحققون السلفيون المتَّبِعُون في قول الله تعالى: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ ٤ أي: لا يرجون سواه، ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه. ويعلمون أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له، لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب؛ ولهذا قال سعيد بن جبير: التوكل جماع الإيمان. ذكره العماد ابن كثير في تفسيره.
ولْيُتَأَمَّل ما ذكره الله –تعالى- عن صاحب يس من قوله:
﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ
_________
١ سورة فاطر آية: ١٣.
٢ سورة النحل آية: ١٧.
٣ سورة فاطر آية: ١٥.
٤ سورة الأنفال آية: ٢.
1 / 253