فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ﴾ ١.
نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب. فالشفاعة التي يظنها المشركون منتفية كما نفاها القرآن، وأخبر النبي ﷺ أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولا، ثم يقال له: "ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع" ٢. وقال له أبو هريرة ﵁: "من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه" ٣، فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله.
وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضَّل على أهل الإخلاص؛ فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه، وينال المقام المحمود، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك؛ ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وقد بيَّن النبي ﷺ أنها لا تكون إلا لأهل الإخلاص والتوحيد. انتهى.
نفي الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك
وقال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في مدارج السالكين: "وقد قطع الله الأسباب التي يتعلق بها المشركون جميعها، فقال الله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ﴾ ٤. فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك لما يريد عابده منه، فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك، فإن لم يكن شريكا له كان معينا له وظهيرا، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده، فنفى –سبحانه- المراتب الأربع نفيا مرتبا منتقلا من الأعلى إلى الأدنى، فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه. فكفى بهذه الآية نورا
_________
١ سورة سبأ آية:٢٢، ٢٣.
٢ البخاري: التوحيد (٧٤١٠)، ومسلم: الإيمان (١٩٣)، وابن ماجه: الزهد (٤٣١٢)، وأحمد (٣/١١٦،٣/١٤٤،٣/٢٤٤،٣/٢٤٧)، والدارمي: المقدمة (٥٢) .
٣ البخاري: العلم (٩٩) والرقاق (٦٥٧٠)، وأحمد (٢/٣٧٣) .
٤ سورة سبأ آية:٢٢، ٢٣.
1 / 246