عبد المطلب ﵁ فقال: "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا؛ فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"، فيدعو. فلو جاز أن يتوسل عمر والصحابة بذات رسول الله ﷺ بعد وفاته، لما صلح منهم أن يعدلوا عن النبي ﷺ إلى عمه العباس، فلما عدلوا عنه إلى العباس علم أن التوسل بالنبي ﷺ بعد وفاته لا يجوز في دينهم، وصار هذا إجماعا منهم. لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به.
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى-:" وقد أنكر أئمة الإسلام ذلك، فقال أبو الحسن القدوري -في شرح كتاب الكرخي- قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف يقول: قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول: بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، أو بحق البيت الحرام. قال أبو الحسن: أما المسألة بغير الله فتكره في قولهم؛ لأنه لا حق لغير الله عليه، وإنما الحق لله على خلقه.
وقال ابن بلدمي -في شرح المختار-: ويكره أن يدعو الله إلا به، فلا يقول: أسألك بفلان أو بملائكتك أو بأنبيائك ونحو ذلك؛ لأنه لا حق للمخلوق على خالقه، وما يقول فيه أبو حنيفة وأصحابه: أكره كذا، هو عند محمد حرام، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف هو إلى الحرام أقرب، وجانب التحريم عليه أغلب ١. فإذا قرر الشيطان عنده أن الإقسام على الله به، والدعاء به أبلغ في تعظيمه واحترامه وأنجع لقضاء حاجته، نقله درجة أخرى إلى أن يتخذ قبره وثنا يعكف عليه، ويوقد عليه القنديل، ويعلق عليه الستور، ويبني عليه المسجد، ويعبده بالسجود له والطواف، وتقبيله
_________
١ لكن نقل الشافعي في "الأم" عن أبي يوسف: أن الحرام ما كان يطلق عند السلف إلا على ما كان بيِّنا في كتاب الله بلا تفسير، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أن السلف ما كانوا يحرمون شيئا إلا بدليل قطعي". نقله عنه ابن مفلح في "الآداب الشرعية"، وذكر أن في مذهب أحمد روايتين في المسألة الثانية أن التحريم يثبت بالدليل الظني، أيضا. اهـ بالمعنى، ونحن نتبع السلف ﵃.
1 / 240