بطل فاتح ابراہیم
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
اصناف
فيا والدي، إن السياسة السليمة هي قبل كل شيء درس الحالة كما هي، وتقدير نتائجها، ثم الإقدام بعد ذلك على العمل بكل حزم دون التفات إلى زيد أو عمرو.
فمنذ عشرين يوما أبحت لي إعلان سقوط السلطان والآن تحرمه علي، فمهما كانت فائدة الرجوع وتغيير الرأي من جانبنا، لا يجوز لنا أن ننسى أن جيشا قويا باسلا مثل جيشنا لا يحتمل سياسة التردد وجس النبض، وهي السياسة التي لا تعرف الانتفاع من وراء الواقع على أن هذا الجيش لا يستطيع الوقوف دهرا طويلا مكتوف الأيدي. ونحن ذهبنا إلى قونيه اتباعا لأوامرك، فكيف يكون باستطاعتنا العودة على أعقابنا، بينما الصدر الأعظم يزحف علينا بجيش قوي حسن النظام كثير المدافع.
فهل تظن يا والدي أو ترى أن مصلحتنا في الوقوف في قونيه أو في الارتداد عنها؟ وفي حالة انتصارنا على جيش الصدر الأعظم يكون قادرا على الارتداد إلى الوراء، ثم لم شعث جيشه والارتداد إلينا إذا نحن لم نقتف آثاره بعد النصر! وهل يجوز أن يخطر بخاطرنا أن يكون الشعب الأناضولي في جانبنا وقد حكمه الترك ستة قرون إذا نحن ظهرنا بمظهر التردد؟ ألا يعد تقهقرنا غلطة عسكرية فظيعة؟ لقد أمرتني قبل الآن بأن أقف في حلب، ثم سمحت لي بالتقدم إلى كولك بوغاز وإلى قونيه، فدعنا الآن يا والدي نهدم جيش العدو الأعظم. واعلم أن هذه البلاد وجوها لا تشبه أرض مصر ولا جوها، فهي ليست صالحة في كل وقت للأعمال العسكرية، وفوق هذا إن ما يقال في مصر لا يمكن تطبيقه على الحالة الفعلية هنا، فلا يجوز إذن الأخذ بتقارير المستر بريجس ولا بملاحظات قومندان سفينة.
ومهما يكن من الأمر، فإني أرى من مدعاة الأسف أن أضطر مرة أخرى للانتظار عشرين يوما؛ أي إلى أن أتلقى كتابك وأوامرك إلخ ...
وبالرغم من هذا الكتاب كتب محمد علي إلى بريجس في 12 ديسمبر يقول:
إن سكوت الإنكليز هو من بعض الوجوه مفيد لمصر، ولكنهم على ما يظهر ليسوا ميالين لتقدم ولدي إبراهيم نحو الآستانة في الظروف الحاضرة.
ومهما يكن من الأمر، فإني لا أود أن أعرف هل دخولنا إستامبول لا يتفق مع نظر الحكومة الإنكليزية؟
فإذا أرادت إنكلترا أن تقف في موقفنا الحاضر فإني قادر على أن أكره النفس على ذلك.
وفي إبان ذلك وصل إلى مصر القومندان بوثينبف الروسي قائد الطرادة باريس؛ ليطالب محمد علي بمحمول سفينة روسية ضبطها الأسطول المصري. ولما كانت العلائق الرسمية مقطوعة لم يحي المينا ولم تحيه، وقدمه قنصل توسكانا لمحمد علي. ولما طلب منه ما جاء لأجله، أجابه أن الأمر متفق عليه مع القناصل بأن نصادر المحمول إذا كان لتركيا وندفع أجرة السفينة، وإذا كان المحمول للأفراد كان عليهم إثبات ذلك. فارتضى بالجواب، فغنم محمد علي الفرصة، وبسط له رأيه في الاتفاق مع الباب العالي، ثم أراه دار الصناعة، فقال لمحمد علي: «ما سمعت بمثل عملك إلا في القصص والحكايات.» وهذا القومندان كان شقيق سفير روسيا في الآستانة، فحمل الرسالة إلى أخيه، بل قيل إن أخاه أرسله ليطلع على أعمال دار الصناعة، وأرسل محمد علي إلى إبراهيم باشا المدد المتوفر من فرقتين أتمتا تعليمهما، ولم يبق من الجيش النظامي في مصر سوى ثلاث فرق، وكان الصدر الأعظم يقول للسفراء إن إبراهيم كلما بعد عن مركزه ضعفت قوته، ونحن ننتظر ضعف هذه القوة - وهو الآن على بعد 210 أميال من مصر - لنضربه الضربة القاضية. وكان يريد بهذه الضربة القاضية تنفيذ المهمة الموكولة إلى السر عسكر الجديد رشيد باشا الذي كان سر عسكر الرومللي، فطرد من أدرنه مصطفى باشا والي أشقودرة الذي شق عصا الطاعة على السلطان. وكان الرجل يعيش عيشة عسكرية، ولكنه لم يتلق فنون الحرب على الأساليب الحديثة كإبراهيم، ولنفوذه في بلاد الألبان والبوسنة أمره السلطان أن يجمع أكبر عدد يستطيع جمعه من ألبانيا والبوسنة، وأن يأتي إلى الآستانة بالآلايات الستة من المشاة والفرسان المحافظين على الولايات تحت إدارته، وهذا القائد كان زميل إبراهيم باشا في حرب المورة، ثم وجه إليه خطا شريفا، هذا نصه:
تعلم أن حسين باشا عين سردار أكرم لقيادة العسكر الشاهاني المرسل إلى آسيا؛ ليؤدب التأديب اللازم العاصي محمد علي، وأن ولايات مصر والحجاز وكريد والحبشة وجهت إليه. ولكن الأقدار لم تساعده، فتراءى لنا اتخاذ الوسائل الفعالة. وأملي بالله أن توفق في هذه المهمة طبقا لإرادتنا الشاهانية كما وفقت في ألبانيا والبوسنة.
نامعلوم صفحہ