بطل فاتح ابراہیم
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
اصناف
ومنذ برهة من الزمن لم يكن بالاستطاعة الاهتمام بشئون الرعية والأهالي، ويهمني من صميم الفؤاد راحة رعاياي سكان سوريا، وأمنيتي أن جميع الأعمال تقضى على سنن الشريعة المطهرة. وإذا أراد الله بعدما تعيدون السكينة إلى سوريا، ترفعون إلى عتبتي أسماء الولاة والحكام الذين أحسنوا، وقد اخترتموهم لإدارة تلك البلاد، والآن أعهد بها إلى كفائتهم.
وبما أنه لم يبق لحسين باشا من عمل في المعسكر، ففي استطاعتكم أن تكتبوا إليه ليعود إلى إستامبول، أعانكم الله بجاه النبي المصطفى.
وبعد هذا الخط سلمه السلطان خطا آخر بولاية مصر والحجاز وكريد والصعيد وحلب وعكا والقدس، وخطا شريفا ثالثا بالقيادة، وذهب السلطان إلى المعسكر باسكودار ووجه الكلام على مسمع من الجيش إلى رشيد باشا قائلا: «أنقذ الدولة؛ فإن شكري لك ولعساكرك إذا أنت فعلت لا يكون له حد.»
ثم أصدر السلطان أمره باستدعاء الضباط الأوروبيين من الجيش عندما بلغه خبر تذمر الأرناءوط وسواهم من وجودهم فيه.
وقبل أن يلتقي الجيشان في ميدان القتال، كرر سفير فرنسا على الباب العالي كلمة الصلح على قاعدة إجابة مطالب محمد علي، وهي المطالب التي كان الباب العالي يعد بإجابتها، فأجاب الباب العالي أنه يعطيه الجواب بعد ثمانية أيام، ففهم السفير أن القصد من التسويف انتظار نتيجة المعركة. ولما حدث في ذلك «ريس أفندي» قال له إن المجلس موافق بالإجماع على اقتراحه، ولكن الكخيا برتو بك المقرب من السلطان هو الذي يحول دون الاتفاق.
وفي الوقت ذاته وصل إلى الآستانة الجنرال مورافيف الروسي، وأبلغ السلطان أن روسيا تضع أسطولها في البحر المتوسط تحت تصرفه لقتال محمد علي، وأنها مستعدة لإرسال جيش بري لقتاله.
وفي الوقت ذاته تلقى محمد علي من شيوخ ولاية قسطموني وأعيانها الرسالة الآتية:
إن المسلمين الذين عينهم منذ عهد قريب خسرو باشا السر عسكر لحكم هذه الجهات، يرتكبون أشد المظالم ويحيط بهم رجال ملحدون مثلهم، فهم يلوثون الإسلام ويخالفون أوامر الله وأحكام الشريعة المطهرة. ولم يكن باستطاعتنا احتمال هذا المسلك طويلا، فنبهنا إلى ذلك متسلمنا فلم يصغ إلى كلامنا، وزاد مع العمى المحيطين به غلوا، وشكا إلى الباب العالي الرجال النزهاء المخلصين. ثم غادر مع أتباعه المدينة وأوقد الحرب على الأهالي، ولم يدع فظيعة لم يرتكبها ضد الأهالي من قتل ونهب وإحراق. ومثل هذا الجور لم يكن إلا ليزيد الإسلام حماسة في الصدور، فسار المؤمنون بقيادة الحاج مصطفى أغا وقاتلوا هؤلاء اللصوص، وقتلوا المتسلم وأسروا رجاله، وانسحب الباقون إلى ثماني ساعات من هنا، والأهالي من كل جهة يسيرون ضدهم وقد استولوا على مدافعهم وذخائرهم وقتلوا كثيرين منهم، والباقون منهم خرجوا من الولاية منتظرين المدد من إستامبول. فنحن أهالي هذه الولاية عزمنا على أن نترك الحكومة التي لا تستطيع أن تقدم لنا أقل ضمانة للأمن والراحة، ولا توفير الغبطة والسعادة التي ينعم بها الرعايا الذين أنقذتموهم، فنقدم لكم خضوعنا، ونلتمس أن نكون تحت حمايتكم، وأن تعينوا لنا متسلما يكون الحاج مصطفى أغا المشهور بحبه للإنسانية وبنزاهته وبطول خبرته.
وأبلغ محمد علي هذه العريضة المرسلة إليه من أعيان قسطموني إلى القناصل، مبينا لهم أن المسألة لم تبق مسألة السلطان محمود ومحمد علي، وأنه يرى - حقنا للدماء وتفاديا عن الخطر الأكبر - بذل وساطة الدول لإقناع الباب العالي بالتسليم بالأمر الواقع، وبين لهم أنه ليس هناك أقل أمل بنجاح رشيد باشا.
وكان محمد علي يسارع في الوقت ذاته لإرسال الأمداد إلى جيشه، فأرسل - بناء على طلب إبراهيم باشا - الميرالاي كاني بك على رأس فرقة من ست أورط مشاة، وأرسل اللواء محمد بك ناظر الجهادية على رأس فرقة أخرى، وعين إبراهيم بك مدير المهمات ناظرا للجهادية والمهمات. وكانت دار الصناعة قد أتمت بناء خمسة مراكب حربية، فأمر ببناء خمسة أخرى، وأرسل الخلع إلى أعيان الشام، وأرسل 600 فارس من عرب الجوازي والفوائد و300 من عربان أولاد علي، وعين سليمان أغا قبجي ناظرا لأعمال تحصين عكا، وعين أحمد باشا يكن رئيسا للقوة العسكرية بالحجاز لإسكان الفتن التي ظهرت هناك، واللواء إسماعيل بك محافظا لمكة، وأرسل إلى ابنه إبراهيم نشانا من الألماس كتب عليه «لك عون الله» تذكارا لفتح قونيه.
نامعلوم صفحہ