قال: وأما قولهم يستغاث بهم في الشدائد، فهذا أقبح مما قبله، وأبدع لمصادمة قوله جل ذكره: ﴿َمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ (١) .
وقال جل وعلا: ﴿قلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ (٢) وذكر آيات في هذا المعنى ثم قال: فإنه جل ذكره قرر أنه الكاشف
_________
=إليها رزقا طعاما وفاكهة لم تكن موجودة عند كفيلها الذي كفل لها بالإنفاق عليها بالقرعة كما ذكرت الآية قال تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (آل عمران:٣٧) وقال تعالى: ﴿ذلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ (آل عمران:٤٤)
وكفيلها الذي تكفل لها هو زكريا الذي تحته خالتها وأيضا الخوارق للعادة التي أكرم الله بها مريم ما قصة الآية الكريمة في سورة مريم في قوله تعالى: حيث كانت في حيرة من أمرها كما حكى الله عنها: قالت: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ (مريم:٢٣) فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا الآيات.
وأما الخوارق للعادة الكرامة التي أكرم الله بها أسيد بن خضير فهو ما جاء في الحديث الصحيح أن أسيد بن خضير وعباد بن بشر كانا عند رسول الله ﷺ ذات ليلة فلما خرجا من عنده ﷺ في ليلة مظلمة كان مع كل واحد منهما مثل المصباح بين أيديهما فلما افترقا صار مع كل واحد منهما نور يضيئه في طريقه إلى بيته، ولا شك أن ما جرى لهما كرامة من كرامات الأولياء الذين ذكرهم الله في كتابه حيث قال: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (يونس:٦٢) الآيات من سورة يونس، وعن أنس ﵁ أن رجلين من أصحاب النبي ﷺ خرجا من عند النبي ﷺ في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصبحين بين أيديهما فلما افترقا صار مع كل واحد منهم واحد حتى أتى أهله رواه البخاري وفي رواية له: أن الرجلين أسيد بن خضير وعباد بن بشر ﵄.
وأما ما ذكره لأبي مسلم الخولاني من خارق للعادة فهو ما جرى له مع الأسود العنسي حيث ألقاه الأسود العنسي في لهيب النار فأنجاه الله منها وخرج منها ولم يمسه شيء وهؤلاء كلهم لم يعلموا ما أكرمهم الله به إلا بعد أن حقق الله لهم ذلك إكراما لهم على قوة إيمانهم.
(١) سورة النمل: الآية ٦١-٦٢.
(٢) سورة الأنعام: رقم الآية ٦٣.
1 / 59