الرسل لهذا الغرض العظيم وهو تجريد العبادة لله وإخلاص الدين له والتبري عن عبادة غيره وتخصيص المعبود الواحد خالق الخلق رب العالمين بالدعاء والطلب والقصد والرجاء والرغبة والرهبة والمحبة والتوكل في نيل المرغوب وحصول المطلوب ودفع المرهوب وإنقاذ الملهوف المكروب دون غيره من الآلهة الباطلة التي يعبدها المشركون من دونه.
وأجاز هذا الضال المضل أن يصرف جميع ذلك لغيره تعالى في جلب الخير وسلب الضير، ولذلك لا يشك المؤمن الذي أنار الله بصيرته أن ما قام به هذا الشخص المذكور معول هدام استعمله لهدم هذا الركن الوثيق لولا عنايته لدينه الحنيف وحفظه له من أن يناله التبديل والتحريف والتغيير تصديقا لوعده حيث قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (١) إنكاره لما دعا إليه القرآن والسنة المطهرة الثابتة عن النبي ﷺ وسلف هذه الأمة وأجمعت عليه الأئمة الأعلام ومصادم للعقل الصريح والنقل الصحيح إذ عدل المخلوق بالخالق الرازق وسوى العاجز الفاتر بالقادر القاهر سبحانه وتعالى عما يشركون فكفر بذلك برب العالمين، قال تعالى منزها نفسه المقدسة عن النقائص ومثنيا عليها بصفات الجلال والجمال ونعوت المدح والكمال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ (٢) .
وقال تعالى حاكيا عن شجار وخصام أهل النار فيها حيث يتبرأ العابدون عن المعبودين الذين عبدوهم في الدنيا من دون الله: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ﴾ (٣) .
وقد تجرأ هذا الجاحد المعاند على ترويج الزيغ والزيف والضلال وغارفي عمق الإلحاد وبالغ في ترويج الخرافات والشرك والعناد حيث حاول أن
_________
(١) سورة الحجر: آية رقم ٩.
(٢) سورة الأنعام: آية رقم ١.
(٣) سورة الشعراء: من الآية رقم ٩٢ إلى ٩٩.
1 / 6