ووصل فرتر خائر القوى إلى باب البلدة وعرفه الحارس فتركه يمر، وكان الليل حالكا عاصفا كثير المطر والثلج، فوصل إلى منزله في نحو الساعة الحادية عشرة، ولاحظ خادمه أنه كان بلا قبعة، ورأى من الحكمة ألا يعلمه بذلك، ووجد وهو يساعده في خلع ملابسه أنها مبتلة قذرة، ووجدت القبعة بعدئذ على قمة صخر عند منحنى جبل، ومن المدهش أنه تسلق في تلك الليلة المظلمة العاصفة دون أن يسقط في الهوة فيتهشم. وذهب إلى فراشه ونام حتى الصباح، ولما أحضر له الخادم طعام الإفطار وجده يكتب، وكان ذلك تتمة رسالته السابقة إلى شارلوت.
الرسالة التسعون: تتمة
أفتح عيني الآن للمرة الأخيرة ولن تريا الشمس الطالعة ثانية؛ فثم غمامة تحجبها، لن تريا جسمك الملائكي قط، يجب أن يمنع ذلك الموت. الموت! وما الموت! نوم أبدي، نحن نحلم حين نتكلم عنه، ألم أر الكثيرين يموتون؟ ولكن هذه حدود أفهامنا المحصورة؛ فإننا نجهل كل الجهل بداءة ونهاية وجودنا.
لقد عدت الآن إلى نفسي أو بالأحرى «إليك» يا عزيزتي شارلوت، ولكن وا حسرتاه! سنفترق سريعا وربما للأبد، ولكن لا، لا يا شارلوت، بما أننا نشعر بوجودنا الحالي، فالفناء مستحيل، الفناء صوت فارغ آخر. الموت! آه يا شارلوت، أوأرى في قبر ضيق بارد مظلم؟!
كانت لي صديقة هي بهجة أيامي الأولى، فماتت وشيعت جنازتها، ووقفت على مقربة من القبر، وسمعت صوت الحبال التي أدلي بها النعش، ولما سقط عليه أول معول من التراب، ردد صوتا فارغا، وخفتت هذه الأصوات تدريجا حتى امتلأ القبر ترابا، فانطرحت على الثرى وقد اختنق قلبي وطعن ومزق، ولم أشعر بما حدث لي بعد ذلك، كما أجهل ما كان سيحدث. الموت، القبر، كلمات لا معنى لها.
أي شارلوت العزيزة! اصفحي عني. أمس، أمس، آه تلك الدقيقة الهائلة! كان عليها أن تنهي حياتي، إذا لمت سعيدا لأنك تحبينني، إنني لأتهيج لمجرد التفكير في ذلك، وإن هاتين الشفتين لتلتهبان بالحرارة المقدسة التي استمدتها من شفتيك، وإن هذا الفؤاد لا يفتأ يحس بالسعادة التي سالت، ولكن أأغضبك عفوا يا شارلوت العزيزة، آه عفوا!
بلى لقد ظننت نفسي عزيزا لديك، لقد رأيت ذلك في النظرة الأولى المنعشة التي وجهتها إلي؛ لقد شعرت بذلك حين شددت في البداءة على يدي بلطف، بيد أنني كنت إذا غبت عنك أو رأيت ألبرت بجانبك عادت إلي شكوكي ومخاوفي. أتذكرين الأزهار التي بعثت بها إلي يوم كنا في اجتماع مزدحم فلم تستطيعي أن تكلميني أو أن تعطيني يدك؟ لقد قضيت نصف الليل في عبادتها دلائل الحب، ولكن أين هذا من سعادة الأمس، إن أبدية كاملة لتقصر عن أن تمحو أثر شفتيك العذبتين.
أنت تحبينني؛ لقد ضمتك هاتان الذراعان، وهاتان الشفتان قد اتصلتا بملء السعادة مع شفتيك، أنت لي، بلى يا شارلوت لي إلى الأبد.
أعرف أن ألبرت زوجك، وبعد؟ وهو زوجك في الحياة؛ وعلى ذلك ففي هذه الحياة يعتبر جرما أن أحبك على أنني سأعاقب نفسي. لقد رشفت من السعادة التي أحيت ذابل عواطفي، وليس لي أن أشرب كثيرا لأنني أخاف، ولكنك لي، أنا أسبقك إلى أبي،
1
نامعلوم صفحہ