الحالة الثَّالِثَةُ: فِي قُوَّةِ الدَّعْوَى: أَنْ يَكُونَ فِي الكتاب المقترن بها شهود حضور لكنهم عير معدلين عند الحاكم، فالذي يختص بالمظالم: أن يتقدم الناظر فيها بإحضارهم وسير أحوالهم، فإنه يجدهم على أحوال ثلاث: إمَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ، وَأَهْلِ الصيانات، فالثقة بشهادتهم أقوى. وإما أن يكونوا أرذالا، فلا يعول عليهم، لكن يقوى إرهاب الخصم بهم. وإما أن يكونوا أوساطا: فيجوز في نظر المظالم - بعد الكشف عن أحوالهم - أن يستظهر بأخلاقهم، إنْ رَأَى قَبْلَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا. ثُمَّ هو في شهادة هذين الصنفين بين ثلاثة أمور: إمَّا أَنْ يَسْمَعَهَا بِنَفْسِهِ، فَيَحْكُمُ بِهَا. وَإِمَّا أيَرُدَّ إلَى الْقَاضِي سَمَاعَهَا لِيُؤَدِّيَهَا الْقَاضِي إلَيْهِ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهَا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا بِشَهَادَةِ مَنْ تثبت عِنْدَهُ عَدَالَتُهُ.
وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ سَمَاعَهَا إلَى الشهود المعدلين، فإذا رَدَّ إلَيْهِمْ نَقْلَ شَهَادَتِهِمْ إلَيْهِ لَمْ يُلْزِمْهُمْ استكشاف أحوالهم، وإن رد إليهم الشهادة عنده بما يصح عنده من شهادتهم، لزمهم الكشف عما يقتضيه قبول شهادتهم، ليشهدوا بها بعد العلم بصحتهان ليكون تنفيذه الحكم بحسبها. الحالة الرَّابِعَةُ، فِي قُوَّةِ الدَّعْوَى: أَنْ يَكُونَ فِي الكتاب المقترن بها شهود موتى معدلون، وَالْكِتَابُ مَوْثُوقٌ بِصِحَّتِهِ، فَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِنَظَرِ الْمَظَالِمِ فيها ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: إرْهَابُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا يضطره إلى الصدق والاعتراف بالحق. الثاني: سُؤَالُهُ عَنْ دُخُولِ يَدِهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ من جوابه ما يتضح به الحق، ويعرف به المحق من المبطل. الثالث: أَنْ يَكْشِفَ عَنْ الْحَالِ مِنْ جِيرَانِ الْمِلْكِ، ومن جيران المتنازعين فيه، ليتوصل بهم إلَى وُضُوحِ الْحَقِّ، وَمَعْرِفَةِ الْمُحِقِّ. فَإِنْ لَمْ يصل إليه بواحد من هذه الثلاثة، ردهما إلَى وَسَاطَةِ مُحْتَشَمٍ مُطَاعٍ، لَهُ بِهِمَا مَعْرِفَةً، وبما تنازعاه خبرة، ليضطرهما بطول المدى وكثرة التردد إلى التصادق أو التصالح، فإن أفضى الأمر بهما إلى أحدهما، وإلا بت الحكم بينهما على ما يوجبه حكم القضاة. الْخَامِسَةُ، فِي قُوَّةِ الدَّعْوَى: أَنْ يَكُونَ مَعَ المدعي خط المدعى عليه بما يتضمنه الدَّعْوَى، فَنَظَرُ الْمَظَالِمِ فِيهِ يَقْتَضِي سُؤَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْخَطِّ، وَأَنْ يُقَالَ لَهُ: أَهَذَا خَطُّكَ؟ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ، يُسْأَلُ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ عن صحته ماتضمنه، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِصِحَّتِهِ صَارَ مُقِرًّا وَأُلْزِمَ حُكْمَ إقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِصِحَّتِهِ، فَمِنْ وُلَاةِ المظالم من يحكم عَلَيْهِ بِخَطِّهِ إذَا اعْتَرَفَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِصِحَّتِهِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ شَوَاهِدِ الْحُقُوقِ، اعتبارًا بالعرف.
وذهب جماعة - وهم الأكثر_ إلى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ مِنْهُمْ، أَنْ يَحْكُمَ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ، حَتَّى يَعْتَرِفَ بِصِحَّةِ مَا فِيهِ، لِأَنَّ نَظَرَ الْمَظَالِمِ لَا يُبِيحُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ، وَنَظَرُ
1 / 81