الْمَظَالِمِ فِيهِ: أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا يَذْكُرُهُ من في خَطِّهِ، فَإِنْ قَالَ: كَتَبْتُهُ لِيُقْرِضَنِي وَمَا أَقْرَضَنِي، أَوْ لِيَدْفَعَ إلَيَّ ثَمَنَ مَا بِعْتُهُ، وَمَا ذفع إليّ، فَهَذَا مِمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ أَحْيَانًا، وَنَظَرُ الْمَظَالِمِ فِي مِثْلِهِ: أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ مِنْ الْإِرْهَابِ بِحَسَبِ مَا يَشْهَدُ بِهِ الْحَالُ، وَتَقْوَى بِهِ الْأَمَارَةُ، ثُمَّ يُرَدُّ إلَى الْوَسَاطَةِ، فَإِنْ أَفْضَتْ إلَى الصُّلْحِ، وَإِلَّا بَتَّ الْقَاضِي الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا بِالتَّحَالُفِ. وَإِنْ أَنْكَرَ الْخَطَّ، فَمِنْ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ مَنْ يَخْتَبِرُ الْخَطَّ بِخُطُوطِهِ الَّتِي كَتَبَهَا، وَيُكَلِّفُهُ من كثرة الكتابة ما يمنع التَّصَنُّعِ فِيهَا، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ، فَإِذَا تَشَابَهَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ جعل اعترافه بالخط مُوجِبًا لِلْحُكْمِ بِهِ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ أنهم لا يفعلون ذلك الحكم عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لِإِرْهَابِهِ. وَتَكُونُ الشُّبْهَةُ مَعَ إنْكَارِهِ للخط أضعف منها مع اعترافهخ به، وترتفع الشُّبْهَةُ إنْ كَانَ الْخَطُّ مُنَافِيًا لِخَطِّهِ، وَيَعُودُ الْإِرْهَابُ عَلَى الْمُدَّعِي، ثُمَّ يُرَدَّانِ إلَى الْوَسَاطَةِ، فإن أفضت إلى الصلح، وإلا بتّ الحاكم الحكم بينهما بالأيمان. الحالة السَّادِسَةُ" فِي قُوَّةِ الدَّعْوَى: إظْهَارُ الْحِسَابِ بِمَا تقتضيه الدعوى، وهكذا يَكُونُ فِي الْمُعَامَلَاتِ. وَلَا يَخْلُو حَالُ الْحِسَابِ من أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ حِسَابَ الْمُدَّعِي أَوْ حِسَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ حِسَابَ الْمُدَّعِي فالشبهة فيه أضعف، ونظر المظالم يرفع فِي مِثْلِهِ إلَى مُرَاعَاةِ نَظْمِ الْحِسَابِ، فَإِنْ كان مجملًا، ويظن فيه الإدغال كان مطرحا، وهو يضعف الدَّعْوَى أَشْبَهُ مِنْهُ بِقُوَّتِهَا وَإِنْ كَانَ نَظْمُهُ مُتَّسِقًا وَنَقْلُهُ صَحِيحًا، فَالثِّقَةُ بِهِ أَقْوَى، فَيَقْتَضِي مِنْ الْإِرْهَابِ بِحَسَبِ شَوَاهِدِهِ، ثُمَّ يُرَدَّانِ إلَى الوساطة، ثم إلى الحاكم الْبَاتِّ.
وَإِنْ كَانَ الْحِسَابُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَانَتْ الدعوى به أقوى، ولا يخلو إما أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَى خَطِّهِ أَوْ خَطِّ كاتبه، فإن كان منسوبا إلى خطه، فنظر الْمَظَالِمِ فِيهِ، أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أهو خَطُّكَ؟ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ قِيلَ: أَتَعْلَمُ مَا فيه؟ فإن أقر بمعرفته، قال له: أَتَعْلَمُ صِحَّتَهُ؟ فَإِنْ أَقَرَّ بِصِحَّتِهِ صَارَ بِهَذِهِ الثلاثة مقرا بمقتضى الحساب فيؤخذ بما فيه، وإن اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ خَطُّهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِيهِ، وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِصِحَّتِهِ، فَمَنْ حَكَمَ بِالْخَطِّ مِنْ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ حَكَمَ عَلَيْهِ بِمُوجَبِ حِسَابِهِ، وإن لم يعترف بصحته لم يحكم به، لِأَنَّ الْحِسَابَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ قَبْضُ مَا لم يقبض. وذهب الأكثر إلى أنه لا يحكم به، لأن الحساب بالذي لم يعترف بصحة ما فيه لكن يَقْتَضِي مِنْ فَضْلِ الْإِرْهَابِ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا اقتضاه الخط المرسل، ثُمَّ يُرَدَّانِ بَعْدَهُ إلَى الْوَسَاطَةِ، ثُمَّ إلَى بتّ القضاء.
1 / 82