[فصل] وإذا كان كذلك فلا يخلو حَالُ الدَّعْوَى عِنْدَ التَّرَافُعِ فِيهَا إلَى وَالِي المظالم من ثلاثة أوجه: إما أن يقترن بها من يقويها، أو مَا يُضْعِفُهَا، أَوْ تَخْلُوَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ. فَإِنْ اقترن بها ما يقويها، فلوجوه الْقُوَّةِ سِتَّةُ أَحْوَالٍ، تَخْتَلِفُ بِهَا قُوَّةُ الدَّعْوَى على التدريج. أحدها: أن تظهر معها كتاب فيه شهود معدلون حضور. فإذا حضر الشُّهُودُ، فَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ فِي الْمَظَالِمِ مِمَّنْ يُجَلُّ قَدْرُهُ، كَالْخَلِيفَةِ أَوْ وَزِيرِ التَّفْوِيضِ، أَوْ أمير الإقليم، راعى من أحوال المتنازعين ما تقضيه السياسة في مباشرة النظر بَيْنَهُمَا، إنْ جَلَّ قَدْرُهُمَا، أَوْ رَدَّ ذَلِكَ إلَى قَاضِيهِ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ، إنْ كَانَا مُتَوَسِّطَيْنِ، أَوْ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُ، إنْ كَانَا خَامِلَيْنِ.
الحالة الثَّانِيَةُ: فِي قُوَّةِ الدَّعْوَى: أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا كِتَابٌ فِيهِ مِنْ الشُّهُودِ الْمُعَدَّلِينَ مَنْ هُوَ غَائِبٌ، فَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِنَظَرِ الْمَظَالِمِ، فِي مِثْلِ هذه الدعوى أربعة أشياء. إرهاب الخصم المدعى عليه. فربما يعجل مِنْ إقْرَارِهِ بِقُوَّةِ الْهَيْبَةِ مَا يُغْنِي عَنْ سماع البينة، والتقدم بِإِحْضَارِ الشُّهُودِ، إذَا عَرَفَ مَكَانَهُمْ، وَلَمْ يُدْخِلْ الضرر الشاق عليهم. والأمر بملازمة المدعى عليه، ثلاثًا، ويجتهد رأيه في الزيادة عليها. وأن يَنْظُرَ فِي الدَّعْوَى، فَإِنْ كَانَتْ مَالًا فِي الذِّمَّةِ، كَلَّفَهُ إقَامَةَ كَفِيلٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا قائمة كالعقار حجر عليه فيها حجرا لا يرتفع بِهِ حُكْمُ يَدِهِ، وَرَدَّ اسْتِغْلَالَهَا إلَى أَمِينٍ يحفظه على مستحقه منهما. وإن تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ وَوَقَعَ الْإِيَاسُ مِنْ حُضُورِ الشُّهُودِ جَازَ لِوَالِي الْمَظَالِمِ أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ دُخُولِ يَدِهِ، مَعَ تَجْدِيدِ إرْهَابِهِ، فَإِنَّ مالك بن أنس كان يرى في مثل هذه الْحَالِ سُؤَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ سَبَبِ دُخُولِ يده، وإن كان غيره من الفقهاء لم يره، فللناظر في المظالم استعمال الحالين. فَإِنْ أَجَابَ بِمَا يَقْطَعُ التَّنَازُعَ أَمْضَاهُ، وَإِلَّا فصل بينهما بموجب الشرع ومقتضاه.
1 / 80