============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف وانفردوا بالعلم السني، والعيش الهني، فهم بذكره يتنعمون، وبفضله (10) يفرحون، قد رضوا من الدنيا بالقلة، وجعلوا الأسباب كلها علة، وترسموا بحكم الذلة، وتعززوا بالله عز وجل، إن نطقوا نطقوا بالعلم ، وإن سكتوا سكتوا بالعلم، وإن جلسوا جلسوا بالعلم، وإن قاموا قاموا بالعلم، وإن لبسوا لبسوا بالعلم، وإن اكلوا أكلوا بالعلم، وإن تنافروا تنافروا بالعلم، وإن اجتمعوا اجتمعوا بالعلم وللعلم، وإن تفرقوا تفرقوا بالعلم، ثم سائر أخلاقهم ورسومهم موافقة للعلم، قد شغلوا جميع جوارحهم بموافقة السنة، فهم أشبه الناس بالأثر، بل هم أهل الأثر، لأن جميع أحكام أسرارهم موافقة لما وصف الله عز وجل به المؤمنين المخلصين في عزيز كتابه، لأنهم أهل القلوب الذين يعرفون أحكامها ومواريدها وخطراتها ووساوسها ولحظاتها واشاراتها وخفيات سرائرها، ويعرفون اختلاف الورود بمشاهدة الوجود، فيفرقون بنور المشاهدة بين إلهام الحق ووسوسة الشيطان، وهواجس النفوس، ثم يعرفون أحكام الدنيا باللحظات، وأحكام الآخرة بالخطرات، وأحكام الحق بالإشارات، وكل ذلك مما سبق إلى أسرارهم من الهداية، 12 فبنور الهداية عرفوا تفريق مواريد الأسرار: وقد خص الله عز وجل الصوفية بمعنى لم يخص به غيرهم ، وذلك أن الصوفية معروفة بأحوال القلوب وأنهم أصحاب القلوب، وقال عز وجل : إن في ذلك لذكرى 15 لمن كان له قلب...}، أسرارهم وعلو أحكامهم.
ثم الصوفية ارتسموا باسم مخصوص مفرد عن الأسامي، ومن حقائقهم آنهم أحكموا ظواهر العلوم واشتغلوا باستعمالها طول الليالي وبرهة الزمان، فما زالوا بالاخلاص يرتفعون في الدرجات والمقامات بتوفيق الله تعالى حتى عرفوا بحقيقة المعرفة خفيات طويات النفوس وقطعوا علائق هواجسها، وذكروا حقائق الجبروت عند إبداء أواجسها، وتفردوا حقيقة من شهي (11) ملاذ حظها، فأفناهم حقيقة مشاهدة الحق عن جميع المرسومات، ورجعوا إلى الله عز وجل خالين عما سواه، لا يؤثرون غيره ولا يختارون عليه، وكيف لا يكونون مخصوصين ولم يتركوا بينهم وبين الله سببا إلا قطعوه ، ولا شغلا الا رفعوه، انقردوا بوجدهم وأقاموا على حقيقة علمهم، فهم أهل تجريد التوحيد، 24 7) موافقة : موافق ص9) و13) مواريد: كذا، والصحيح: موارد20) أواجسها: كذا 22) خالين: خالية ض 23) يكونون: يكونوا ض.
15)-19) القران الكريم 37/50.
ن . ..
صفحہ 9