(1) بسم الله الرحمن الرحيم وبه الثقة، رب تمم بفضلك وكرمك.
مقدمة الحمد لله الذي أخلص أهل الخالصة للدار، وأطلعهم على حقائق الأسرار، وحفظ عليهم أحكام الأذكار، وأفرهم عن التعلق بالأغيار، ورش عليهم رشيش الأنوار، فنبههم لحقائق الآثار، وشرح صدورهم لتوحيد الواحد القهار، وأنطق ألسنتهم بمناجاة العزيز الغفار، ثم رسمهم بأهل الولاية والأبرار، وجعلهم حجة على آهل الدار، واصطفاهم واختارهم بعد الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - فخصهم من البرية بالاسم الشريف، والمعنى اللطيف، وتلك الصمديقية التي ظهرت معانيها وأحكامها وشرائعها وحقائقها، ظاهرها وباطنها، في القضاء، الفقراء الموسومين بالتصوف.
والصديقية ما ذكرها الله عز وجل بعد نبوة النبي ، فقال : (( فأولئك مع الذين أتعم الله عليهم من النبيين والصديقين} ، والصديقية اسم لجميع معاني أهل الحقائق من 12 المرتسمين بالتصوف، فذلك اسم أظهره الله في أمة أحمد صلوات الله عليه وسلامه إذ هو المختار من الأنبياء المنتجبين من البرية بأسرها، المختار أمته على سائر الأمم صلى عليه ح أفضل صلاة وأنماها وأقضاها لما فرض من ذكره وأوجب من حقه وعلى 15 آله الطيبين الطاهرين وسلم .
ثما إني نظرت في سنن أهل العلم وأحكامهم واختلافهم في الرسوم وتفاوت قصدهم ، فرايت العلم ذا شجون وفنون، ولكل فن من ذلك أهل اختصوا بمعنى من العلوم، ثم 18 9) وتلك : وذلك ض11) فأولئك مع : أولئك ص 75 66, 2r15660 هd22 112:176/2 5) ورش عليم.0.، قارن مسند أحمد ين حنبل 15671 11) -12) القرآن الكريم 69/4.
ن ب
صفحہ 1
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقاثق التصوف انهم وإن اختلفوا في القصد وتفرقوا في الطرق فالحق يجمعهم على معنى واحد وأصل واحد، وكل واحد منهم قد تعلق بفرع يؤديه إلى الأصل، وإنما اختلاف العلوم من 3 كثرتها وعزازتها لأن العلم عزيز يعز أهله في الدنيا والآخرة، فمن تعلق بعز الدنيا وركن إليها وإلى بهجة شهواتها صار ذلك ثواب علمه = في عاجله، ومن تعلق بعز الأخرة واشتاق إليها وتذلل في الدنيا وزهد فيها صار ذلك ح ثواب علمه في آجلهح، وذلك عز 6 لا ينفد وتعيم لا يزول.
ثم لكل علم من ذلك حقيقة فمن... (4) علمه عليه حجة، ومن تحقق به صار علما في الدنيا والآخرة، وذلك ثواب علمه وحقيقة تحقيقه.
فأول من أبتدئ بهم من أهل العلم الفقهاء : وهم أئمة الدين ، الحاكمون على الدماء والفروج، المفتون بحقيقة أحكام الله تعالى في خلقه، اشتغلوا بها وأحكموها وذلك أصلهم، وفي ذلك مواجيدهم.
12 ومنهم أصحاب الحديث: وهم الثقات في معانيهم، الحافظون لألفاظ نبيهم صلوات الله وسلامه عليه - المؤدون عنه آثاره، وهم ورثة الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين- صححوا الشرائع، وحفظوا الرسوم، وقيدوا الأصول، واشتغلوا بها 15 وأحكموها، وذلك أصلهم وفي ذلك مواجيدهم.
ومنهم القراء: تحفظوا القرآن، وتعلقوا بكلام الرحمن، فدرسوه وعرفوا أحكامه وحروفه وقراءته ووقوفه ولغاته، واشتغلوا بها وأحكموها، وذلك أصلهم وفي ذلك 18 مواجيدهم ومنهم المفسرون : العارفون بمعاني القرآن وتفسيره، يعرفون الناسخ والمتسوخ، والمحكم والمتشابه، ويظهرون للناس حقائق خفيات الآيات، وبهم ينتفع الناس، اشتغلوا بها 21 واحكموها، وذلك أصلهم وفي ذلك مواجيدهم.
ال ومنهم أهل اللغة والآداب والنحو: قوموا الفاظ العلم وعرفوا الاشتقاقات والمعاني، وصححوا الاعراب، وأخرجوا المعاني، وجميع أهل العلوم غير مستغنين عنهم لتبيين 24 الرسوم وتحقيق المعاني، اشتغلوا بذلك وأحكموها، وذلك أصلهم وفي ذلك مواجيدهم.
فجميع أهل العلوم وإن اجتمعوا في الأصل فقد افترقوا في الرسوم ، ولكل واحد منهم نسبة غير ماح للآخر، وكان ذلك ملكا وشريعة وطريقا إلى الله عز وجل، تختلف في 26) ملكا: ملك ص [طريقا : طريق ص.
ن ب
صفحہ 2
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف الرسوم وتجتمع في المعاني، تعلق كل واحد منهم بنسبه في علمه وانفرد بمعناه عن غيره، وكلهم قد خصوا بمعنى من العلم دون الآخر، فصار ذلك سيرته وهو الغالب عليه وذلك مقصده: ثم رأيت جميع أهل العلوم قد قصر كل واحد منهم عن استعمال علمه ورضي بتعلمه ودرسه ونسي حقائق واجبه.
فرأ= يت = (3) عامة الفقهاء تعلقوا برخص العلم، فجمعوا المال وتعرضوا للرياسة واتبعوا الشهوات، فرغبوا في الدنيا وغفلوا عن حقائق الفقه، إذ يقول المصطفى صلوات الله عليه وسلامه - : إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين وزهده في الدنيا وعرفه عيوب نفسه ، فأبان - صلوات الله عليه وسلامه - أن التفقه تفقد عيوب النفس وتعرف حقائق خفيها ودقائق أحكامها وأسباب هواها، وقد روي عن الحسن البضري - رحمة الله عليه - أنه قيل له : إنك لتحدثنا أشياء ما نسمع من فقهائنا ، فقال : ويحكم وهل رأيتم فقيها قط؟ إنما الفقيه الزاهد عن الدنيا الراغب عن الآخرة البصير بدينه 12 الدائم في العبادة المشتاق إلى لقاء الله تعالى.
والعالم عالمان: عالم الدنيا وعالم الآخرة، فأما عالم الدنيا فهو يصير بالقال والقيل، وأما عالم الآخرة فهو من تفكر في القرآن، فأحل حلاله وحرم حرامه وعمل بمحكمه وآمن بمتشابهه، وتفكر في آياته فأسهر ليله وأظما نهاره ، واشتاق إلى لقاء ريه عز وجل، فهذه حقائق الفقه تحقق بها قليل من الفقهاء أو تورعوا عن غيرها، فأدوا حق العلم بالامساك عن الدنيا والرضى باليلغة، فأولئك الفقهاء حقا، والباقون علومهم حجة عليهم ثم رأيت أصحاب الحديث : رضوا من العلوم بدرسها، ومن الأحكام بكتبها، فتعلقوا بالرواية والدراية والكتب، حتى إن بعضهم ليجمع كثيرا من العلم ويكتب كثيرا من الأخبار، فلا يستعمل من ذلك حديثا، قد رضي من نفسه بدرسه وتعلمه، وغفل عن استعماله، فصده الشغل بكتب ذلك عن كثير من الفرائض، وقد قال شعبة : إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن قراءة القرآن وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون؟ ثم قليل منهم كتبوا العلم فاشتغلوا باستعماله فصاروا آئمة في الدين وسراجا يستضيء به سائر )9) العجم الفهرس */190.
11)- 13) حلية الأولياء 147/2، اللمع 17، 13 .
ن ب ن
صفحہ 3
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف الناس، فأولئك ورثة الأنبياء حقا، والباقون علومهم حجة عليهم.
ثم رأيت القراء تحفظوا القرآن فتفاخر بعضهم على بعض، ولم يشتغلوا (4) بتعرف 3 معانيه واستعمال ما فيه، فأكلوا به الدنيا وأحكموا ذلك ليقال : فلان قارئ حسن القراءة، فزينوا أصواتهم بذلك ونادوا في محاربهم، ورققوا طباعهم للسامعين، فنالوا بذلك الدنيا ، وطلبوها بقراءة القرآن، وقد قال النبي } : اكثر منافقي أمتي قراؤها .
ثم قليل منهم تعلقوا به آناء الليل والنهار، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه واشتغلوا بقراءته سرا وجهرا ، فقرؤوا لأنفسهم واستمعوا وأصغوا إلى حقائق ما فيه من الآمر والنهي والوعد والوعيد، فأولئك أهل الله وخاصته، والباقون القرآن حجة عليهم، وخصمهم يوم القيامة.
ثما رأيت المفسرين العارفين بمعاني القرآن، تعلموا ذلك وتوسلوا إلى السلاطين وأخذوا به عرض الدنيا، فوافقوا أهل الأهواء في المتشابهات، فلم يظهروا حقائق معاني القرآن خوفا من فضيحتهم إذ القرآن زاجرهم عما ارتسموا به.
2 وقليل منهم زهدوا عن الرياسة فصاروا نفعا للخليقة، وبينوا حقائق آمر الله عز وجل، فصاروا سفراء بين الله وبين الخليقة، فأولئك العلماء حقا، والباقون القرآن حجة عليهم ووبال:.
15 ثما إيي رأيت أهل الآداب واللغة والنحو، تعلموا ذلك رياء وإعجابا، وتفاخروا، فطلبوا بذلك الدنيا وتكلموا في الدقائق وتشدقوا وتناطحوا ، وقد قال النبي : شرار أمتي الذين يغذون بالنعيم ، يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في 18 الكلام ، وذلك أنهم اتخذوا دينهم قياسا ومعقولا ، فتأولوا الآيات بآرائهم وطلبوا غرائب اللغة، فغيروا دين الله عز وجل، وأصبحوا - إلا قليل ممن عصم الله - مفتونين، وبآدابهم ومعقولهم وآرائهم فيما يؤنقهم خائضين، وعن الطريق الواضح ناكبين، ولما 21 وضعه الله عز وجل عنهم متكلفين، وعما كلفهم مغرضين، فاتخذ كل واحد منهم غلبة معقوله شريعة ومذهبا، واتخذ رأيه عبودية، فعبد هواه وما آدرك فهمه ومعقوله، فصار عن سواء الطريق مائلأ وعن غوامض ما فيه سائلا (5) وبما لا يعينه قائلا وعن حقيقة 24 الدين والشريعة راحلا، فحصل حيرة في دين الله وتقرب بمحصوله الفاسد إلى السلاطين ليأكل بذلك الدتيا ويدعي بها الرياسة، فصار آدابه ولغاته ونحوه عطبه وهلاكه، وقليل 5) العجم المفهرس 526/2.
16)- 18) فيض القدير 154/4، رقم 4859.
...- . .
صفحہ 4
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف منهم تعلموا ذلك ليقوموا به الألفاظ ويعرفوا به معاني الأخبار، فصاروا علما في الدين ، يأوي إليهم جميع أهل العلوم لتحقيق علومهم وتصحيح الفاظهم، ثم الباقون منهم في ريبهم يترددون وفي طغيانهم يعمهون.
فهذه سيرة جماعة أهل العلم وأحكامهم وحقائقهم وظاهرهم ، قد افترقوا في الرسوم، وكل واحد منهم قد تعلق بظاهر من العلم وغفل عن حقائقه ، ألا ترى أنهم انفردوا عن العامة بما آظهروا من العلوم ، وأشاروا إليه من الفهوم، واختصوا من بين الناس بخصوصية العلم، وكل ذلك من علامة المباينة عن العامة لتحقيق العلم وعزه وأحكامه.
ثم إلي رايهم وقذ وافقوا العامة في طعامهم ولباسهم واتباع شهواتهم وجلوسهم وكلامهم ورغبتهم وتفاخرهم وجميع أحكامهم ، بل زادوا عليهم في المعاني والأحكام، فتنعموا في الدنيا، وجمعوا المال ، وأكلوا الحرام، وكل ذلك بالرخص والتأويلات المفسرات بآرائهم، وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي أنه قال : لا تجلسوا عند كل عالم، إلا من يدعوكم من الرغبة إلى الرهبة، ومن الشك إلى اليقين، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن العداوة إلى النصيحة، فكيف لا يهلك من نظر إلى رغبته وجمع ماله وهو عالم في زعمه؟ وكيف يقبل منه علمه وهو يزهد عن الدنيا ولا يزهد هو؟ ويرغب في الآخرة ولا يرغب هو؟ وقد روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه آته قال : يكون في آخر الزمان علماء يزهدون في الدنيا ولا يزهدون، ويرغبون في الآخرة ولا يرغبون، يقربون الأغنياء ويبعدون الفقراء، ويقبضون عند الحقراء ويبسطون عتد الكبراء: أولئك الجبارون أعداء الرحمن: 18 (9) وقد كان العلماء بخلافهم قبل ذلك : زاهدين راغيين معاملين لله عز وجل محزونين مغمومين متفكرين مشغولين آناء الليل والنهار بحقيقة رعاية العلم واستعماله، وقد روي عن الحسن أنه قال : إن الرجل كان ليطلب العلم ثم لم يلبث آن يرى ذلك في تخشعه وبصره ولسانه ويده وزهده.
ثم إني رأيت علماء العصر ونظرت إلى رسومهم وأحكامهم فرأيت ظواهرهم مخالفة للأثر ، فأول ذلك نظرت إلى لباسهم ، فكان مخالفا للسنة من طول الأكمام والذيول ورقة الثياب كأته لباس الخيلاء، وقد قال الفضيل بن عياض - رحمة الله عليه -: لكثير من علمائكم زيه آشبه بزي كسرى وقيصر.
24) للأثر: الأثرض.
... .
صفحہ 5
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف ثم إيي رأيت طعامهم من شتات الألوان، ورأيت جلوسهم مع الأغنياء لطلب الرياسة، ورأيت إعراضهم عن الفقراء، ورأيت سعيهم في طلب الدنيا الدنية وشهواتها 3 الردية، ورأيت غلبات أوقاتهم جمع المال والغض عن شبهاتها، فلما رآيت ذلك تفقدت كثيرا من أحكامهم وأسبابهم ، فرأيتها مخالفة للعلم من الرغبة في الدنيا وحبها وجمعها، وقد قيل في الخبر: حب الدنيا راس كل خطيئة.
6 وقليل من علماء العصر تعلقوا بالعلم وأحكموه واشتغلوا باستعما له وتورعوا عن الشبهات ورضوا بالبلغة وتمسكوا بالسنة ، فلزموا الزوايا من الأرض، والأطوار من البلاد ، فباعدوا الأغنياء وقربوا الفقراء وواصلوهم لغربتهم وغربة أهل الحق في الوقت والزمن، فهم بقية العلماء وهم قليلون، وسائرهم ممن يدعون كثيرا من العلوم، اشتغلوا بالحفظ والرسم، فتقربوا به إلى السلاطين، فأكلوا بذلك الحرام، فصار سبب هلاكهم حب الدنيا والرياسة فنظرت فإذا جميع آفات العلماء من ذلك .
12 ثما إني جمعت فهمي ومددت طرفي وميزت بعلمي وفهمي واجتهدت في استنباطي وقايست بعقلي، وقابلت الكتاب والسنة على مبلغ علمي فلم آر أقواما امسك بالسنة ظاهرا وباطنا وسرا وجهرا وعقدا ونية واستعمالا من العصابة المترسمة باسم التصوف، 15 فتحققت (7) جميع آحكامهم، ظاهرهم وباطنهم، فوجدت جميع ذلك موافقا للكتاب والسنة، وذلك لأهل الحقيقة منهم الذين استحقوا الاسم الشريف والمعنى اللطيف، وسأبين حقائقهم من الكتاب والسنة، والله الموقق للصواب وإليه المرجع 18 والمآب: ثم لما رأيت سائر أهل المذاهب من أهل العلوم من الفقهاء وأصحاب الحديث وأهل القرآن والآداب قد سئلوا عن أقاويلهم في أصوهم وحجتهم فيما أقاموا على 21 اعتقاده، فاحتج كل واحد منهم عن أصله، وآبان عن طريقه ومقصده، فرأيت العصابة المرتسمة بالتصوف، متنقصين مذمومين، جاهلين عند أهل النظر وأكثر الناس، لما لم يظهر فيهم من أحوالهم، وخفي عنهم من حقائق آسرارهم، وحجب عنهم من 24 ظواهر آثارهم، رسمت كتابي هذا، فبينت فيه أصول القوم ورسومهم وأحكامهم وحقائقهم ورعايتهم وإشاراتهم وجميع أسبابهم الموافقة لسنة نبيهم ع، وترجمته 4) مخالفة: مخالفا ص 12) طرفي: بطرفي ص.
ن ب..
صفحہ 6
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف بأدب الملوك ، لأن الصوفية زهدوا عن جميع أسباب الدنيا فصاروا ملوكا، واستراحوا وطابت قلوبهم ونفوسهم ، وكيف لا يستحقون اسم الملوكئة وليس لهم همة غير الله عز وجل، قد رضوا من الدنيا بالدون فتراهم شعثا وغبرا تشهد البذاذة في ظواهرهم كأنهم مجانين وقد خولطوا، ولقد خالط القوم آمر عجيب وما هم بمجانين، فلقد كان لهم في رسول الله أسوة حسنة حين يقول - عليه الصلاة والسلام - : من سأل عني وسره آن ينظر إلي فلينظر إلى آشعث شاحب مشمر لم يضع لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه اليوم المضمار وغذا السبق، والغاية الجنة والنار، قال : وحدثنا بذلك آبو بكر بن حصان، حدثنا ابراهيم.
وكيف لا يكونون ممدوحين وقد نزعوا ثياب الخيلاء، وقطعوا عن قلوبهم مشاغيل الدنيا وآمنوا من آفاتها وغوائلها، وخرجوا من رقها، فتعلق أهل الدنيا بالدنيا فجانبوا - (8) وباللهو والافتخار والرياسة - فمالوا عنها وتعلقوا بحقائق الأمور واشتغلوا بها، فهم لا يشتغلون إلا بالحق، ولا يخافون إلا من الحق، ولا يرجون غيره، قد استراحت نفوسهم وروحت قلوبهم ، فصاروا ملوكا في الدنيا والآخرة لأنهم أحرار عن جميع الأشياء لا يعبدون شيئا غير الله ولا يخضعون إلآ له، فالأشياء كلها لهم وهم بائنون عنها، تقبل الدنيا عليهم وهم عنها معرضون، ويخدم غيرهم الدنيا وهم مخدومون، ولقد أوحي إلى الدنيا أن : اخدمي من خدمني واستخدمي من خدمك، فهم قوم الفقر زينتهم، والصبر جلبابهم، والرضا مطيتهم، والتوكل شأنهم، والله وحده جل جلاله حسبهم. قد تأدبوا بالسنة، وقاموا في السريرة بالخدمة، لحفظ حقائق 18 الحرمة ، فصاروا ملوكا في الدارين وملوكا في المتزلين وملوكا في الجنة .
ولقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال : إن ملوك الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤيه له لو أقسم على الله لأبره.
فهذا وصف القوم ، والملوكية تشهد على جميع حركاتهم ومن حقائق ملوكية الصوفية أنهم وافقوا الله عز وجل في بغض الدنيا، وجذبوا أنفسهم عن رقها، وبذلوا لله عز وجل المهج، فلم يحدوا في جنب الله عز وجل لأنفسهم مقدارا، وحفظوا لله عز وجل ما 24 ) يستحقون: يستحقوا ض 16) خدومون: خدومين ص 20- 21) المعجم المفهرس 134/3.
..
صفحہ 7
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف في الطوية أسرارا ، ولقد تحقق الملوكية فيهم لأنهم لا يسمعون إلا بالله ، ولا ينظرون إلا بالله ، ولا يبطشون إلا بالله ، ولا يتحركون إلا بالله ، وقد روي عن النبي أنه قال : 3 إن الله عز وجل قال : ما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته، فإذا أحبيته كنت له سمعا وبصرا ويدا، فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش، فهذه حقيقة أهل المحبة وأحكام الصوفية في حركاتهم، ثم احواهم تعلو عن الوصف، وإشارتهم تعلو عن النعت، قد 1 استوحشوا من جميع ما استعبد أهل الغرة، واستأنسوا بالله عز وجل، فإن خافوا (9) خافوا الله، وإن رجوا رجوا الله تعالى، وإن افتقروا افتقروا إلى الله تعالى، وإن استغنوا استغنوا بالله عز وجل، وإن تعلقوا تعلقوا بالله وحده، فخالفوا في جميع أحكامهم أهل 9الدنيا، فأولئك الملوك حقا ، وكيف لا يقع عليهم اسم الملوكية وقد سمى الله عز وجل أقواما ملوكا ببعض ما وهب لهم من زينة الدنيا ونعمائها ، فقال عز وجل وجعلكم ملوكا واتاكم ما لم يوت أحدا من العالمين} ، ولقد وهب الله عز وجل للصوفية وأهل 12 الحقيقة من نعيم السر ورؤح القلب ما استغنوا به عن جميع الأملاك: ولقد حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال : مساكين ملوك الدتيا لو علموا ما نحن فيه لقاتلونا . وقد قال بعض الحكماء : إزهد في الدنيا تكن ملكا ، فازهد في الآخرة تكن 15 ملكا متوجا، فالملوكية في الدنيا شرط الزهد فيها، وجميع ما زهدت فيها فأنت آميرها ومالكها، وقد روي أيضا في الخبر أن الله عز وجل يقول لجنة عدن : طويى لك منازل الملوك، بعني: منازل الزهاد والأسخياء: فهذا حقيقة أحوال الملوكية شرحتها بحقائق أهل الأدب من الملوك وهم الصوفية الذين تأدبوا بالسنة ليصلحوا حقيقة الخدمة، وساشرح ما اجتمعت عليه الصوفية في الأصول والفروع بمشاهدة الآيات والآثار البينات، فإتهم أقوام استعملوا بالجهد والجحد ظاهر 21 العلوم من الفرائض، فأورثهم الله عز وجل علما من غير تعلم وهدى بغير هداية وعلامة لحقيقة الولاية، وبذلك عرفوا جميع أسباب الولاية، وتقربوا إلى الله عز وجل بالنوافل بحقيقة الطوية، وصبروا على المكاره بمخالفة النفوس ، فأقامهم الله تعالى على شرائع دينه 24 وأعمل جوارحهم بالطاعات وزينهم بالعلم وفقههم في الدين وعرفهم معايب النفوس، ثم أدبهم للخدمة لأداء حقيقة الحرمة، فتشمروا عن الأسباب الشاغلة، والعلائق القاطعة ، 43) المعبم الفهرس 529/9.
10 - 11) القرآن الكريم */20.
..
صفحہ 8
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف وانفردوا بالعلم السني، والعيش الهني، فهم بذكره يتنعمون، وبفضله (10) يفرحون، قد رضوا من الدنيا بالقلة، وجعلوا الأسباب كلها علة، وترسموا بحكم الذلة، وتعززوا بالله عز وجل، إن نطقوا نطقوا بالعلم ، وإن سكتوا سكتوا بالعلم، وإن جلسوا جلسوا بالعلم، وإن قاموا قاموا بالعلم، وإن لبسوا لبسوا بالعلم، وإن اكلوا أكلوا بالعلم، وإن تنافروا تنافروا بالعلم، وإن اجتمعوا اجتمعوا بالعلم وللعلم، وإن تفرقوا تفرقوا بالعلم، ثم سائر أخلاقهم ورسومهم موافقة للعلم، قد شغلوا جميع جوارحهم بموافقة السنة، فهم أشبه الناس بالأثر، بل هم أهل الأثر، لأن جميع أحكام أسرارهم موافقة لما وصف الله عز وجل به المؤمنين المخلصين في عزيز كتابه، لأنهم أهل القلوب الذين يعرفون أحكامها ومواريدها وخطراتها ووساوسها ولحظاتها واشاراتها وخفيات سرائرها، ويعرفون اختلاف الورود بمشاهدة الوجود، فيفرقون بنور المشاهدة بين إلهام الحق ووسوسة الشيطان، وهواجس النفوس، ثم يعرفون أحكام الدنيا باللحظات، وأحكام الآخرة بالخطرات، وأحكام الحق بالإشارات، وكل ذلك مما سبق إلى أسرارهم من الهداية، 12 فبنور الهداية عرفوا تفريق مواريد الأسرار: وقد خص الله عز وجل الصوفية بمعنى لم يخص به غيرهم ، وذلك أن الصوفية معروفة بأحوال القلوب وأنهم أصحاب القلوب، وقال عز وجل : إن في ذلك لذكرى 15 لمن كان له قلب...}، أسرارهم وعلو أحكامهم.
ثم الصوفية ارتسموا باسم مخصوص مفرد عن الأسامي، ومن حقائقهم آنهم أحكموا ظواهر العلوم واشتغلوا باستعمالها طول الليالي وبرهة الزمان، فما زالوا بالاخلاص يرتفعون في الدرجات والمقامات بتوفيق الله تعالى حتى عرفوا بحقيقة المعرفة خفيات طويات النفوس وقطعوا علائق هواجسها، وذكروا حقائق الجبروت عند إبداء أواجسها، وتفردوا حقيقة من شهي (11) ملاذ حظها، فأفناهم حقيقة مشاهدة الحق عن جميع المرسومات، ورجعوا إلى الله عز وجل خالين عما سواه، لا يؤثرون غيره ولا يختارون عليه، وكيف لا يكونون مخصوصين ولم يتركوا بينهم وبين الله سببا إلا قطعوه ، ولا شغلا الا رفعوه، انقردوا بوجدهم وأقاموا على حقيقة علمهم، فهم أهل تجريد التوحيد، 24 7) موافقة : موافق ص9) و13) مواريد: كذا، والصحيح: موارد20) أواجسها: كذا 22) خالين: خالية ض 23) يكونون: يكونوا ض.
15)-19) القران الكريم 37/50.
ن . ..
صفحہ 9
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف الذين أشاروا إلى الحق بتجريد الهم والفناء عن الرسم ، وآثروا الله على ما سواه، وقد روي عن محاهد أنه قال : إذا وفد أهل الجنة إلى الله عز وجل وجدوا عنده أقواما على 3 الكراسي قد سبقوهم ، فيقيمون أهل الجنة ما أذن الله لهم ، ثم ينقلبون إلى ما أعد الله عز وجل لهم ثم يعودون ثانيا فيجدونهم على حالتهم، فلا يدرون آمقيمين كانوا آم غير ذلك، فكلما عادوا وجدوهم على حالهم، فقيل لمجاهد: آشهداء هؤلاء؟ قال: هؤلاء 6 أهل أثرة الله على ما سواه.
فالصوفية - صادقهم وكاذبهم - يدعون حقيقة التوحيد وترك الأسباب والاتفراد عن الأشياء، فأهل الحقائق تتبع دعاويهم حقائق وصفية من الاجتهاد واشتغال الجوارح بالطاعات وترك الشهوات وقطع العلائق والزهد في الدنيا والتورع عن جميع الحظوظ في الدنيا، فويل للمدعين الذين يشيرون إلى حقيقة التجريد ولهم اختيار والتذاذ بنفوس قائمة وأهواء بارزة، وحرام على من يشير إلى التصوف أن يسكن تحت خواطر الغيريات ، 12 ويعقد قلبه غير حب البريات، إلا أنه لا بد من الخواطر والوساوس الجارية والبشرية الموجودة ، ولكن الركون إلى غير الله مع الله شرك ، وقال أبو سعيد الخراز : لكل إنسان سبب مع الله تعالى ما خلا الصوفية، فإنهم متعلقون بمولاهم في جميع أحكامهم، وإنما 15 ذلك حقائق أسرارهم لا يظهرونه إلا في وقت الغلبات، وليس للغلبة حكم لأن ذلك وقت الحق عز وجل، فيظهر من أوليائه ما يشاء، فمن نطق بذلك بالتمييز والمعقول فإنما ذلك دعوى بلا حقيقة ، ونطق من حقيقة النفسية (12) وتمني الإنسانية ، قال الله عز 18 وجل: ، الله آذن لكم آم على الله تفترون} ، والصوفية إنما .. . على غيرها من الناس والصالحين بالقلب وأحكامه لأن الصوفية اجتمعوا على معنى واحد ، ثم افترقوا في الحقائق ورجعوا إلى الحق عز وجل من ثلاثة أوجه، كل ذلك مراجعة القلب بالمعنى... المراد 2 منه، وهم ثلاث طبقات: لما جاوزوا حدود الرياضات وعرفوا حقائق الواردات.0.
وإن سمعوا أهل القلوب والاشارات ، فالطبقة الأولى رجعوا إلى الله عز وجل بالعلم ...
أنابوا وأذعنوا لحقيقة الحق وأعرضوا بقلوبهم عن جميع الأشياء بحقيقة الصبر... النفوس 24 والجهد والطاقة، فهم راجعون إلى الله عز وجل بحقيقة الخشية وغيب المشا. قال الله 22) الأولى: الأول ض.
18) القرآن الكريم 59/10.
..
صفحہ 10
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف عز وجل: من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيبه، وذلك القلب الخالي عما س... أناب إلى الله عز وجل بقلب سليم ليس فيه شيء غير الله عز وجل.
وأما الطبقة الثا... رجعوا إلى الله عز وجل بالحقيقة والوجد ونسيان ذكر الدارين ورفع البصر والنصر... والطاقة فأحرق نور وجودهم جميع موسومات النفوس وأفنى جميع الآثار وال...، فبقي القلب مفردا بلا علاقة، فهم راجعون إلى الله بتجريد القلب وتفريد الهم يح... التوحيد ، قال الله عز وجل : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، فأولئك أهل القلوب خا... بهم شيء ، وهم أهل التوحيد المخصوص بذلك .
فأما الطيقة الثالثة فقوم و... الحقيقة فأسرهم الحق هناك فلا يقدرون الرجوع، لأنهم شهدوا عين الحقيقة بإفناء... وإفناء الكل وذلك أن الحق عز وجل أظهرهم معنى فأفنى القلب والسمع وما بتيغ.. فهم يشهدون المعنى بلا قلب يوصف ولا سمع ينعت، شهدواالحق بفناء... قال الله عز وجل آو آلقى السمع وهو شهئد}، فذلك حقيقة تجريد التوحيد، فما هنا... سمع معلوم، بل ذلك حقيقة مراد الحق جل جلاله، سلبهم عن جميع المرسومات... (13) لمعلومات فهم في أسرة الحق محبوسون، وفي وتاق الحقيقة مقيدون، وعن رؤية الخليقة مستورون، يخرجون يوم القيامة على الناس آمتاة الحفظ، وليس حقيقة ذلك اقتداء ولا تلقينا ولا تجربة، لأن الاقتداء بالوجد شرك والتجربة في طريق الحق كفر، وما هناك إلا العجز، وقد قال الشبلي : العجز عن درك الادراك إدراك، والمشي في طرق الأخيار بالاختيار إشراك، وكثير من المرتسمين بالتصوف هلكوا في الاقتداء بالوجد، فإن الشبلي كان يقول في غلبة وجده : يا قوم حرام على من خطر بباله الجنة فحضر في محلسيا وإنما قال ذلك من غلبة قلبه وغيرة سره وحقيقة وجده فمن اقتدى به وقال مقالته على رسم السماع بشاهد النفوسية، وتمييز الانسانية، فقد حرم ما أحل الله عز وجل، وقوله شرك، وقد تعرض للهلاك، وإنما القدوة بالعلم، فأما الوجد فلا يقوم مقام الاقتداء، والعلم قدوة، وبالعلم يقيد على الجهد والطاقة وحمل المشقة والجد والرياضة والاستعمال بحقيقة الإخلاص 15) الحفظ : لحفظ ض1 تلقينا: تلقين ض.
1) القرآن الكريم 633/50) 7) القرآن الكريم 37/50.
11) القرآن الكريم 37/50 16)- 17) طبقات الصوفية (انصاري) 89، -2، منسوب إلى آبي محمد الجريري.
..
صفحہ 11
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقاثق التصوف فيه... الله عز وجل يخص بالوجد من يشاء، ومن حقيقة الوجد أن لا يترك صاحبه على حالته و... وطبعه قبل وجده ، لأن الوجد مغير، وكل وجد لا يغير صاحبه ولا ينقله 3 من حالته لازدياد في الظاهر من أعمال الطاعات، فليس ذلك بحقيقة، لأن الوجد يغير الأسرار... الجوارح من غلبة السر بالطاعات والأعمال، وحقيقة الصوفية لا يدرك بالعلوم لأن ذلك ... تتبعها اكتساب وأصل ذلك ما اجتمعت عليه الصوفية في أصل المذهب 6 وسأبين... إن شاء الله.
اجتمعت الصوفية على الزهد والرغبة فيما عند الله ومجاهدة النفوس والاخلاص في العمل والصدق في السريرة... إلى ذلك طلب مرضاة الله تعالى والخوف من سخطه، 9 وإن بلاغها بالتجنب عن محارمه... ح مكعاصيه والقيام بفرائضه والصبر على حكمه والرضا بقضائه والتوكل عليه في جميع (14) أحواله والاستسلام له في جميع أحكامه. ثم حقيقة ذلك ترك الاختيار والثبات عند اختيار الحق ليكون الحق مختارا له على جميع 12 الأشياء، فهذا اجتماعهم في أصل الشريعة والمذهب، ولكل ذلك حقيقة بموافقة الكتاب والسنة.
(1) باب ما بني عليه آساس التصوف فأول ما بني عليه أساس التصوف من حيث العلم والطلب والتمييز وما يتبع الهداية بعد ظهور الولاية من ظاهر الأحكام ، فذلك أن الله عزوجل خص نبيه بالفقير ، وأبان 18 شرفه فقال عز وجل : تلك الدار الآخرة تجعلها للدين لا يريدون علوا في الأزض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}، وقال عز وجل : أوليك يجزون الغرفة بما صبروا}، قالوا : علي الفقر، ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى : ( إنما يوفى 21 الصابرون آحرهم بغير حساب}، قال : نزلت في الفقراء خاصة ، فقالوا لابن عباس : 17) فذلك : وذلك ص.
18)- 19) القرآن الكريم 83/28.
19) القرآن الكريم 75/25.
20)- 21) القرآن الكريم 10/39.
ن ب .
صفحہ 12
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف زينت الفقراء؟ فقال : كذلك قال النبي : الفقر أزين على المؤمن من العذار الحيد على خد الفرس، وروي عن النبي أنه قال : أول تحفة المؤمن الفقر ، وشرف الفقر لا يعد، والفقر مطية الأنبياء والصديقين والأبرار، وما أبلى الله عز وجل به الأخيار وزين به الأولياء والأبرار، وذلك ما تكلم فيه الصوفية وفي معانيها ورسومها، وهو ذل النفوس وموتها ثم عزها وحياتها، وللصوفية في الفقر إشارات وأحكام، واسم الفقر يجمعهم والأحوال فيه يفرقهم، والمراد فيه يباينهم.
فأما الأصل في موافقة السنة فذلك ما اختاره خير خلق الله محمد لل وأقام عليه وأثره على الحالات، ثم الصديق أبو بكر رضي الله عنه سيد الصديقين حيث تشمر وتجرد وتخلل بالعباء وقعد على رسم التجريد، فما ترك لنفسه إيواء غير الله عز وجل ورسوله ، ثم على أثره علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذهب على سنته وسيرة صاحبه، ثم في اختيار النبي وأمر الله عز وجل له في موافقة مراد : الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} شرف الكل من الفقراء، والصوفية (15) وافقوا السنة بالفقر لموافقة اصحاب الصفة، وذلك أن الله عز وجل عاتب نبيه ملة في أقوام تعلق بهم حقائق الفقر من البذاذة والعري وتغير الريح والجوع وهم جماعة آهل الصفة، لبسوا الصوف فعمل فيهم الحر فوجد. منهم رائحة العرق، وسأل أشراف قريش النبي ملة أن يفرد لهم بحلسا خاليا منهم ، فضمن النبي ذلك منهم ، فدعا بالكتف ليكتب لهم العهد على ذلك لحرصيه على إسلامهم ، فأنزل الله عز وجل : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه }.
فأول موافقة الصوفية الفقر، وحققوا ذلك في أصولهم واختاروه أصلا ومذهبا، ثم تكلموا في حقائقه، لأن الفقر ظاهر الاسم، وحقيقة الفقر والغنى : يفترقان في الاسم ال ويجتمعان في والمعنى فالفقر فقر القلب والغنى غنى القلب، لأن النبي قال لأبي 21 الدرداء : أترى أن كثرة المال هي الغني؟ قال : نعم يا رسول الله هي الغنى ! قال : وترى أن قلة المال هي الفقر؟ قال : نعم ، هي الفقر يا رسول الله ! قال ه : ليس كذلك : انما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب.
ثم الفقر اسم يشتمل على معان كثيرة، وللصوفية في ذلك إشارات ومقامات 11) - 12) القرآن الكريم 52/6.
17) - 18) القرآن الكريم 52/6.
... .
صفحہ 13
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقاثق التصوف واختيارات، فهم من اختار الفقر لثواب الفقر، ومنهم من اختاره لموافقة السنة، ومنهم من اختاره لاختيار الله به وآنبيائه وأصفيائه ، ومنهم من اختاره لراحة قلبه وفراغ سره 3 وخفة حسابه، ولهم في ذلك ايثار واختيار ومراد ، وجميع ذلك أحوال الفقر الظاهر، واختيار الظاهر توصل إلى حقيقة الفقر الخاص، فأما الفقر في ذاته فالتعلق بالله عز وجل بترك ما دونه ، وجميع ما تعلق به الفقير دون الله عز وجل فهو فقير ذلك، وليس 6 كل من ظهر عليه البذاذة والرثة والضميق وقلة الشيء استحق له خالص الفقر ، لأن الفقر سر يبدو من الله عز وجل على الأسرار، فيغير عليه الحقيقة على الظاهر من تفريد الطوية بحقيقة المعنى، فيقطع صاحبه عن جميع الأسباب الشاغلة ويوحشه من غرور
9(16) الدنيا الفانية ، ألا ترى أن النبي في حقيقة سر الفقر منع اللحظة فلم يدغه الحق سبحانه وتعالى أن ينظر نظرة إلى زينة الدنيا، وكان عينه له أعز عين تنظر بالعبرة، فمنعه الله عز وجل عن ذلك ، زجرا لأهل خالص الفقر ومنعا لهم من آن ينظروا 12 إلى ما آبغضه الله تعالى ، وأن تؤثر عليهم زهراتها ، فيخرجوا من خالص الفقر بمقداره ، فأما النبي فكان معصوما محفوظا قال الله عز وجل : ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه}، ثم قال: ورزق ربك خير 15 وأبقى}، ورزق الله عز وجل ما هداه من نعيم حقائق الفقر حتى نسي في جنبه جميع عوارض الدنيا ، ولقد كان للنبي من حقائق ذلك ما رد به مفاتيح خزائن الدنيا، فاختار الفقر والمسكنة والجوع ، فقال ة : آجوع يومين وأشبع يوما ، فهذا اختيار النبي 18 خير خلق الله تعالى باختيار الحق له، فلا ريب أن الفقر اختيار الله عز وجل له ، وانما اختار الفقر لما قد سبق له من الله عز وجل من حقيقة الفقر.
ثم المعنى الثاني من الفقر ما استعاذ منه رسول الله }لة فقال : اللهم إني أعوذ بك 21 من الفقر، وذلك فقر القلب والجوارح إلى ما سوى الله ، وبيان ذلك أن النبي *ل كان لاشك مستجاب الدعوة، وكان يستعيذ من الفقر، وكان عيشه في الفقر، وكانت آوقاته 13) فكان : كان ض 16) للنبي : النبي ص 22) وكانت : وكان ص.
13)-14) القرآن الكريم 131/20.
17) المعجم المفهرس 59/3.
2) 21) المعجم المفهرس /186.
..: .
صفحہ 14
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف مراعاة للفقر، وكان سؤاله حقيقة الفقر والحشر مع الفقر، ولو كان حقيقة الققر ما استعاذ منه لما كان يجوع يومين ويشبع يوما ، ولما خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز بر.
فالفقر المذموم قد فسره النبي ل بقوله : اللهم إني أعوذ بك من فقر ينسي، 3 وقال : كاد الفقر أن يكون كفرا ، وقال عة في حقيقة الفقر فيما روى فضالة بن عبيد، قال: كان رسول الله ە إذا صلى بالناس يخر رجال من قيامهم من الخصاصة، وهم آهل الصفة، حتى يقول الأعراب : إن هؤلاء مجانين! فإذا قضى رسول الله صلاته (17) انصرف إليهم فقال : لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تردادوا حاجة وفاقة، قال فضالة بن عبيد : وأنا مع رسول الله علالله.
فالفقر الخالص سير من آسرار الله عز وجل يودعه عند من لا يخونه، وافتراق ظاهر الفقر وتشتت معانيه لا يحصى، ومحصول أصله على أقسام ثلاثة: فقير النفس، وهو لا يستغني أبدا، وفقير الأشياء وهو يستغني بوجودها، وفقير الحق وهو الفقير الخالص، فالصوفية اختاروا الفقر لما وجدوا من ثوابه في الظاهر ، ووافقوا فيه النبي عاللة وأصحابه وتعلقوا به ليعزوا بذلك في الآخرة، وإن تذللوا في الدنيا ، فتركوا أهل الدنيا ووافقوا السنة واحتملوا المكاره والبلية حتى رجعوا إلى الله عز وجل معرضين عن جميع علائق الدنيا، وحقيقة ذلك آنهم خرجوا من الدنيا كما دخلوها، وقد قال الشبلي رحمة الله عليه حين سئل عن حقيقة الفقر، فقال : أن لا يرى في الدارين مع الله غير الله تعالى، فهذا حقيقة الصوفية وأحكامهم، فمن كان بخلاف ذلك لم يستحق حقيقة الاسم ، وخكي عن بعض الحكماء أنه قال : من تعلق بما تحت العرش فليس بصوفي، فكيف من تعلق بالدنيا وأسبابها واختار زينتها وبهجتها؟ فحقيقة نعت الصوفية ما ذكرته، فمن كان بخلاف ذلك فليس بصوني، وإن ادعى ذلك فدعواه باطل وزور 1) ادعى: الدعى ض، تحريف.
5)-8) كتاب الأربعين لابي نعيم 251، 11.
... .
صفحہ 15
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف (2 باب حقائق الصوفية فأما حقيقة الصوفية فالزهد، وله ظاهر وباطن وحقيقة، فظاهر الزهد الاعراض عن الدنيا ولذاتها والاجتناب عن غوائلها وأسبابها ، وباطن الزهد إفراد الهمة وتجريد القلب والزهد فيما يشغل عن الله تعالى ، فالصوفية اختاروا الزهد إذ أعلم الله عز وجل 6 الخلق أن الدنيا لعب ولهو ؛، فقال عز وجل: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكائر في الأموال والأولاد} ، فدل ذلك على ذم الدنيا والراغبين فيها ، والدليل علي ذمه في آخر الآية ما ضربه لها مثلا، فقال عز وجل: ( كمثل غيثه
9 أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مضفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد، فذم الراغبين فيها، (18) والرهد ضد الرغبة فاستوجب الزاهد فيها المدحة، فمن زهد في الدنيا عمل للآخرة، فحرث الآخرة بالزهد في الدنيا ، وحرث الدنيا بالزهد 12 في الآخرة، قال الله عز وجل: من كان يريد حرث الآخرة نزذ له فى حريه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة ين نصيب} ، فلو لم يكن في ذم الراغبين في الدنيا غير هذه الآية لكفى بها ، وقد حذر النبي من الدنيا بقوله : 15 احذروا هذه السحارة، فهي آسحر من هاروت وماروت، قد قال النبي : لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا ، ويروى عن أبي موسي الأشعري عن النبي أنه قال : من أحب دنياه أضر بآخرته ، ومن أحب آخرته أضر بدنياه ، فائروا ما يبقى على 18 ما يفنى ! وعن عبد الله بن مسعود ، قال : قال النبي : من أشرب قلبه حب الدنيا التاط بثلاث : شقاء لا ينفد عناه، وجرص لا يبلغ غناه ، وأمل لا يبلغ منتهاه، والدنيا طالبة ومطلوية، فمن طلب الدنيا طلبته الآخرة حتى يأتيه الموت فيأخذه بعنقه، ومن 2 طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه، فالزهد في الدنيا راحة البدن وخفة 6) - 7) القرآن الكريم 20/57.
8)0) القرآن الكريم 20/57.
12)- 13) القرآن الكريم 20/42.
15) 10) العجم الفهرس 275/2.
17) 18) المعجم الفهرس 497/3 ..
صفحہ 16
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف الميزان وقلة الحساب.
ثم يختلف في المعاني والأحكام ، فزهد الصوفية فيما يشغلهم عن الله عز وجل، لأنهم زهدوا في الدنيا لموافقة السنة، وزهدوا في النفوس للحق فتركوا الحظوظ والشهوات 3 وانفردوا عن الأشياء بالزهد فيها تعززا، فلا يليق بهم شيء ولا يليقون بشيء.
وسئل الشبلي رحمة الله عليه عن حقيقة الزهد، فقال : إن الزهد فيما سوى الله ، فأهل التصوف افترقوا في معاني الزهد، وارتقوا في إشارته، وعلوا في معانيه، وقطعوا بحقيقته عن جميع عوارض المعائش وما يقوم به آبدان سائر خلق الله من المطعوم، فإنهم على مراتب وطبقات : فهم من زهد في الدنيا ورضي منها بالبلغة وستر العورة، ومنهم من اختصر واقتصر واقتصد ورضي بجوع يومين وشبع يوم، ومنهم من رفع لنفسه معلومات الأقوات ومرسومات الأوقات (19) وأكل عند الضرورات ، ومنهم من أخذ من الدنيا بقدر ما أحل الله عز وجل للمضطر من الميتة، ومنهم من ارتقى في الإشارة وقواه الله عز وجل بحقيقة الزهد فلم يأكل طعام الآدميين من الخبز وغيره إلى المات .
هكذا حكي عن بعض أصحابنا أنه رأى من نفسه شرها ، فعاهد الله تعالى أن لا يأكل الخبز في الدنيا ، فلم يأكل سنين حتى مات، وحكي عن أبي عبد الله المغربي أنه لم يأكل ثلاثين سنة إلا من بقول الأرض، ولم يشرب إلا من ماء العيون ، قال : وأخبرني ابن شيبان آبو إسحق يقول : وآقمت على قبره ثلاث سنين، قال : فبعد ثلاث سنين نمت عند قبره فرأيته في النوم فسألته شيئا فأجابني وامرني آن أعود إلى بلدي، فرجعت إلى قرميسين بإذنه ، وأخبرني بذلك أبو بكر الطرسوسي، حدثنا ابراهيم بن شيبان عن آبي 18 عبد الله فجميع ما يشغل عن الله عز وجل فهو الدنيا، وسئل الجنيد عن الدنيا ما هي؟
فقال : ما دنا من القلب فشغل عن الله فهي الدتيا، وقال بعضهم : ما دنا من النفس 21 للتفس فهي الدنيا، وقال بعضهم: ما دنا لشغل فهي الدنيا، وقال بعضهم : ما تعلق به العبد غير الله عز وجل فهي الدنيا ، فالزهد رفع الأطماع ونفي الأطباع وصدق الادفاع ، ومن تعلق بشيء فقد وكل إليه لقوله : من تعلق بشيء وكل إليه، ومن حقيقة الزهد 24 21) حلية الأولياء 274/1، 43، طبقات الصوفية (أصاري) 110، 4، 54516 60623 24) المعجم المفهرس 312/4.
ن ..
صفحہ 17
============================================================
كتاب أدب اللوك في بيان حقاثق التصوف نفي العلائق وترك العوائق، ثم شغل العارفين في الزهد بالزهد رغبة، وللصوفية البالغين في حقيقة خالص الزهد والانفراد عن رؤية الزهد إشارات ولهم خصوصية في معاني تجريد 3 التوحيد ما جردوا فيه الزهد عن الزهد المعروف بالزاهدين، ومن حقيقة زهد الخاص نفي التعلق بما سوى الله عز وجل، ولقد نسوا في جنب الله حظ الدارين والتعلق بحظوظها حتى حكي عن الجريري أبي محمد أنه قال : كان لي مريد صادق فتوفي في سكر 6 إرادته، فرأيته في النوم فقلت له : ما فعل الله بك؟ فقال : يا أستاذ غفر لي وتوجني بتاج الكرامة وأخذ بيدي وأدخلني الجنة، وكان يناولني الحور العين والقصور، (20) فقلت له: وهل علقت قلبك بشيء من ذلك؟ قال : لا يا استاذ! قلت : لو علقت قلبك 9 بشيء من ذلك لنرلت معه، فهذه حقيقة زهد الصوفية في الدارين، لم يختاروا عليه ولم يرغبوا معه في شيء من عطاياه، قد رضوا بالله وليا وحسيبا، ونسوا جميع حظ المنزرلين، فأولئك الزاهدون حقا، وللصوفية في الزهد حقائق وإشارات يقصر دونه العبارة 12 والوصف.
(3) باب رسوم الصوفية وأما رسوم الصوفية فمجاهدة النفوس وترك الشهوات ومخالفة الهوى ، قال الله عز وجل: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، قال بحاهد : هي بحاهدة النفس ، وسئل رسول الله : من المجاهد؟ قال : من جاهد نفسه لله عز وجل ، وعن الحسن ، 18 قال : قدم قوم على النبي له من الغزو ، فقال : مرحبا بكم حياكم الله ، جثتم من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر! قالوا: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال : بحاهدة الرجل نفسه وهواه لله عز وجل 21 فالصوفية جاهدوا أنفسهم لأن النفس تدعو إلى مخالفة الله عز وجل وتحب ما فيه 15) فجاهدة: بجاهدة ص 16) القرآن الكريم 19/49 .
17) المعجم المفهرس 389/1 66 0192 (20(18 وهن ب
صفحہ 18
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف العطب والهلاك ويعادي الحق، قال الله تعالى : { أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين}، وقيل : أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام في معنى اليفس : أن عادها فإنها عزمت على معاداتي ، وقد قال الله عز وجل : { إن النفس لآمارة بالسوع إلا ما رحم ربي}، فمن جاهدها وخالف هواها عرفها بالمخالفة وعرف عداوتها وحكمها، ولا يعرف النفس إلا من خالفها، وبالمخالفة يعرف أخلاقها، فأما ذاتها فلا يعرفها غير بارثها عز وجل ، ويروى عن أبي مالك الأشعري عن النبي ع أنه قال: أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك.
فرسوم الصوفية بحاهدة النفوس لله عز وجل وإيثار محبة الله على هواها ، فقد أوجى الله عز وجل إلى بعض أتبيائه : عاد نفسك في وودني بعداوتها ، فمذ خلقتها أظهرت لي المعاداة، وذلك أنها خلقت بأخلاق مختلفة ، ويقال إن الله (21) عز وجل خلق النفوس فجعل لها أخلاقا : خلقا من أخلاق الملائكة، وخلقا من أخلاق الجان، وخلقا من أخلاق الشياطين، وخلقا من أخلاق الوخش ، وخلقا من أخلاق الطيور ، خلقا من أخلاق البهائم، ثم جعل لها خلقا من أخلاق الجبروت فعرفت بها جميع الأخلاق، فمن غلب عليه خلق الملائكة غلب عليه العبادة، ومن غلب عليه خلق الجان والشياطين غلب عليه المعصية والعجلة، من غلب عليه أخلاق الوحوش غلب عليه الاستيحاش من 15 الخليقة، ومن غلب عليه خلق الطيور غلب عليه السرعة والسير، ومن غلب عليه خلق البهائم غلب عليه الأكل والشرب، ومن غلب عليه خلق الجبروت قام مقام الغباوة وخالف الحق وخرج من العبودية وقام بمخالفة الربويية فوكل إلى النفس، والنفس 18 خلقتها عجيبة وأمرها عجيب، ولا يعرف أخلاقها إلا من خالقها وبالمخالفة وقف على بعض اخلاقها.
وسئل بعض أصحابنا عن حقيقة النفس وكيف وقعت عداوتها وكيف كان بده 21 أمرها، فقال : لما خلق الله عز وجل النفس من الطين ونفخ فيها الروح فاستمكنت فنظرت إلى الملائكة وخشوعهم عند ربوبية الله تعالى وتقدس، فهشت إلى ذلك واشتهت 1)-3) القرآن الكريم 7/36.
3)-4) القرآن الكريم 53/12.
7) راجع التصفية 188، 12 23) فهيت.،. واشتهت، قارن رياضية النفس 23، 1 ن ..
صفحہ 19
============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف الربويية، فامتحنها الله بسجود الملائكة لها، فازدادت النفس طغيانا وظنت آنها أهل لذلك، فمن ذلك كلما استعبد الله عز وجل خلقه من ذكره ومدحه تزيد النفوس من 3 البرية استعنادها، فهذا بده آمرها، وهي حقيقة ما قال : فمذ خلقتها أظهرت لي المعاداة.
وللصوفية في النفوس علوم يختلف فيها وأحكام يفترق في أصولها، ويقال : النفس 6 ثلاثة، نفس أمارة ونفس لوامة ونفس مطمئنة، وحقيقة نفس النفس لا تدرك بالوصف لآن ذاتية النفس في الهيكل كذاتية الروح فيه ، ويقال : إن ذاتية النفس الهوى والهوى في النفس كالريح (22) الهابة أو كالروح الحارة.
وأشارت الصوفية في معارفها إلى حقيقة النفوس التي خالفت الحق، وقد قال سهل بن عبد الله: أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام : يا موسى ما خلقت خلقا ينازعني في ملكي غير النفس، فإن أردت رضاي فخالفها ، فإن النفس كالظل الذي لا يبقى 12 عليك إن أنت تبعته، وإن رجعت عن هواها تبعتك كما أنت إذا رجعت عن ظل تبعك، والتابع لنفسه كالتابع لظله لا يدركه ما دام قائما شخصه، وفي هذا إشارة لأهل الفطنة، وهو موضع الرمز لا موضع الشرح ، والله يسمع من يشاء ويمنح الدرك لمن يزهد 15 في اختياره وتركه.
وللنفس أخلاق خفية وأخلاق تظهر عند الغلبات، والخفية منها لأهل الخفي وبالخفي تعرف خفيات النفوس وخباياتها، والظاهر منها هيجان الغضب والنطق 18 بالأنانية، وذلك ما أظهره الله عز وجل من إبليس حيث قال : { أنا خير منه فأما الغضب فوضع خلق الجبروت، وهو الظاهر من أخلاق النفوس، وفي أول إبرازه نسيان الحق والقيام بأخلاق الربويية، وقد قال بعض العارفين : ما من نفس خلقها الله عز 21 وجل إلا ودعوى الربوبية في ضميرها، ولكن فضل الله ومنته وعزيز هدايته ونور سلطانه يمنعها عن القيام بها ، وما نطق بها غير فرعون حيث قال: أنا ريكم الأغلى}، فالنفوس كلها واحدة في الجيلة، وفضل الله عز وجل واصطفاؤه واختصاصه يمنع 24 النفوس عن أخلاقها، فإذا غضبت النفس فاشهذ إضمارها، فإنها تقوم مقام الأرباب 1) نفس النفس: نفس النقيس ص) خالفت: خالف ص 13) قائما: قائم ص 17) خباياتها : كذا، والصحيح : خباياها 18) القرآن الكريم 12/7 22) القرآن الكريم 24/79 .
ن بن ..
صفحہ 20