الفصل الأول
نابليون وإيطالية
1814-1815
لقد كان الشعور بكيان قومي في إيطالية في أوائل القرن التاسع عشر ضعيفا، فمن الواضح أن الطليان ظلوا يحنون إلى الأيام التي كانت فيها روما تملي إرادتها على العالم، ولما زالت السيطرة الإسبانية عن إيطالية في القرن الثامن عشر، وتوقفت النمسة في الشمال، وأخذت بيمونته تخطو خطاها في بطء؛ فقد ظل الطليان قانعين باتحاد وهمي لدول لا شأن لها يقوم مقام الأمة، ولقد كان النصف الآخر للقرن المذكور دور سكون وإصلاح أورث إيطالية رفاهة وتقدما في الإصلاح الاجتماعي وازدهارا في الفنون وإبداعا في الشعر والغناء، إلا أنها كانت فاقدة استقلالها ومحرومة حريتها.
ثم نشبت الثورة الإفرنسية ودفعت الإفرنسيين للتوغل في إيطالية؛ فانهارت بذلك الإمارات الإيطالية، وأقام نابليون جمهوريات وممالك سرعان ما قضت قضاء مبرما على السياسة الاجتماعية القديمة، ولعل إيطالية هي البلاد الوحيدة التي تعمد نابليون أن يشجع فيها الشعور القومي؛ إذ لاح له أن وحدة التقاليد واللغة والآداب كفيلة بأن تجعل من إيطالية أمة واحدة، ومما حفزه على تأييد هذه الفكرة شعوره بأنه يمت إلى أصل إيطالي من جهة، وأخذه بالسياسة التقليدية التي سارت عليها فرنسة في إقامة موانع في وجه النمسة من جهة أخرى. حقا إن نابليون هو مؤسس إيطالية الحديثة.
ومما لا شك فيه أن إيطالية استفادت كثيرا من الاحتلال الفرنسي؛ لأنه قضى على الإقطاعية السائدة فيها حينذاك، وجهزها بقوانين موحدة ومراقبة نافعة، وفتح في وجه أبنائها أبواب الكفاية، وأمد الصناعات بفيض من النشاط، وساعد إلغاء الأديرة على التخلص من الديون، فانتشرت المدارس في لمبارديه ونابولي، وحمل الجنود الطليان - الذين رافقوا نابليون في أسفاره وغزواته حين عودتهم إلى بلادهم - ذكريات البطولة، وبثوا في الأمة روحا جديدة.
ولقد أتى أسلوب نابليون في سياسة البلاد بنتائج باهرة جدا؛ إذ أزال سلطان الأمراء بالكلية، وقضى - بذلك - على الدويلات العشر في شبه الجزيرة، فألحقت بفرنسة بيمونته الشرقية ودوقيات جنوه وبارمه وطوسكانه ودويلات الكنيسة حتى جبال الإبنين،
من دوقيات لمبارديه وفنيسيه ومودينة والروماني والمارك، فأصبح أوجين بوهارنه نسيب الإمبراطور وصيا عليها، أما نابولي فأصبحت مملكة يحكمها المارشال مورات،
1
فأسست هذه الدول روابط متبادلة وتشابهت إدارتها إلى حد ما.
Bilinmeyen sayfa