ثم دلت الحوادث في إيطالية على بطلان هذه المزاعم التي كثيرا ما يتوكأ على أمثالها خصوم الوحدة العربية؛ إذ لم تلبث إيطالية أن كونت دولة عظيمة رغم أنف المعاندين المكابرين، وطالما سمع أبناء الأقطار العربية مثل هذه المزاعم من رجال الاستعمار وأذنابهم، ولكن من حسن حظ القضية العربية أنهم لم يلتفتوا إليها.
سيرى شباب العرب - عند قراءتهم هذا الكتاب - كثيرا من مثل التضحية
إيطالية في أثناء كفاحهم في سبيل الاستقلال وإنجاز الوحدة، تلك المثل العالية التي لم تذهب سدى، والتي لولاها لما تمت الوحدة، وفي هذا كله حافز لشبابنا على مواصلة العمل الذي سبقهم فيه الآباء والأجداد، ويجعلهم يقدرون تلك التضحية، ويودون لو يقدموا على مثلها.
حقا لقد ضحت الأمة العربية بالكثير في سبيل استقلالها وستضحي بالكثير في سبيل وحدتها، وقد ظلت الأمة الإيطالية تجاهد نصف قرن حتى تمت وحدتها، أما الأمة العربية فقد مر على كفاحها في سبيل الاستقلال أكثر من ربع قرن، وقد نالت أجر بعض هذا الكفاح وهي ستنال أجر كفاحها القادم لا محال، فليعلم شبابها وكهولها أن التضحية وحدها هي التي توصل الأمة إلى إكمال استقلالها وإنجاز وحدتها.
طه الهاشمي
حاشية
كتبت هذه المقدمة قبل ست سنوات، وقد وقعت بعد ذلك حوادث جسام في دنيا العرب، فأخذت الجامعة العربية على عاتقها قضية الدفاع عن فلسطين، وبذلت جهودها في توحيد مساعي الدول العربية في نجدة فلسطين.
وكان من نتيجة هذا الجهد أن ساقت الدول العربية جيوشها إلى فلسطين وحاربت القوات الصهيونية وحدث ما حدث وأمره معلوم، وحلت النكبة ووقعت الكارثة في فلسطين رغم كل المساعي، وأخذ المفكرون العرب يبحثون عن أسباب هذه النكبة؛ ففريق يرى أن الدول العربية استضعفت شأن العدو، وآخر يرى أنها لم تستعد له الاستعداد الكافي، ومن يرى أن سبب الكارثة عدم تضامن الدول العربية وتخاذلها.
والذي لا ريب فيه أن التجزئة القائمة في دنيا العرب هي السبب المباشر لحدوث النكبة؛ لأن العدو استغل التجزئة والمستعمر استأثر بها وذوي النفوس الضعيفة احتموا بها، ولو كانت الوحدة جمعت بعض الأقطار العربية ولو كان الاتحاد قائما فعلا بين الدول العربية؛ لما انتهت قضية فلسطين على هذه الصورة المحزنة.
لهذا لا سبيل إلى أن يزيل العرب عنهم وصمة هذا العار ويقضوا على الدولة اليهودية؛ إلا إذا اتحدت أقطارهم وألفوا منها الدولة العربية الكبرى، على غرار ما تم في إيطالية.
Bilinmeyen sayfa