قال عبد الملك: وليست تموت الأنفس، والأرواح بموت الأجساد إنما تموت الأجساد بخروج الأنفس، والأرواح منها، وبخروج، الأنفس، والأرواح حية عند الله تبارك وتعالى غير ميتة، وذلك بين في كتاب الله تعالى، يقول الله عز وجل: {كلا إذا بلغت التراقي} -يعني الأنفس- {وقيل من راق} يقول: من يريقها، فترجع {وظن أنه الفراق} يقول: وعلم أنه الفراق من الدنيا، {والتفت الساق بالساق} يعني كرب بكرب الآخرة، والساق في كلام العرب الكرب، يقول: التفت كرب الدنيا، وهو الموت بكرب الآخرة، وهو المطلع {إلى ربك يومئذ المساق} فقد أخبرك أن مساق النفس حينئذ إلى الله عز وجل، ولو كانت تموت بموت الأجساد لها لما قال إلى ربك يومئذ المساق، وفي الآية الأخرى قوله تعالى: {فلولا إذا بلغت الحلقوم. وأنتم حينئذ تنظرون} يعني: من حضر الميت {ونحن أقرب إليه منكم} يعني الملائكة الموكلون بقبض الأنفس مع ملك الموت {ولكن لا تبصرون} يعني لا تبصرونهم {فلولا إن كنتم غير مدينين. ترجعونها إن كنتم صادقين} ثم أخبر بما تصير إليه بعد خروجها من جسدها، فقال: {فأما إن كان من المقربين} يقول: من أشراف أهل الجنة {فروح وريحان} فالروح الرحمة، والريحان الرزق الحسن {وجنت نعيم/ وأما إن كان من أصحاب اليمين} يعني فالخير، والبركة لأصحاب اليمين {وأما إن كان من المكذبين الضالين. فنزل من حميم. وتصلية جحيم} فأخبرك بنزول النفس بعد خروجها من جسدها، ولو كانت تموت بموت الجسد، ما كان لها نزل، إنما يكون النزل لمن هو حي ينعم بذلك المنزل، أو يشقى به، وليس يكون النزل لمن هو ميت، لأنه لا ينعم بشيء، ولا يشقى به، وقال أيضا في الآية الأخرى {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون} يعني أرجعوني إلى جسدي {لعلي أعمل صالحا فيما تركت} يعني من المال الذي لم يعمل فيه صالحا، فلو كانت نفسه تموت، أو يموت جسده لم تسأل الرجعة، وهي ميتة، فكل هذا من الله برهان واضح لمن أراد الله هداه، وألهمه تقواه.
Sayfa 87