أهدى لك الناس المرا ... كب والوصائف والذهب
وهديتى حلو القصا ... ئد والمائح والخطب
فاسلم سلمت على الزما ... ن من الحوادث والعطب
٥- كتاب الوزراء والكتاب لأبى عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري (المتوفي ٣٣١ هـ) طبعة السقا والأبياري وشلبي. مصر ١٩٣٨ وكان بمصر قوم يدافعون بالخراج، ويكسرون بعضه، فأحضر عمر أشدهم مدافعة وإلطاطا، فطالبه، فاستمهله مدة فأمهله، ثم طالبه ثانية، فاستمهله، فأمهله مدة، ثم فعل ذلك في الثالثة، فلما حل الأجل دافعه أيضا، فخلف بأيمان مؤكدة أنه لا يستأديه إلا في بيت المال بمدينة السلام، ثم أشخصه على الرشيد، وكتب إليه بخبره، فبذل له الرجل أداء المال، فأبى عليه أن يقبضه منه، وأقام على ألا يؤديه إلا في بيت المال، فخاف الناس جميعا منه مثل ذلك، وسارعوا إلى الأداء، فلم ينكسر له ولا تخلف درهم واحد.
وحكى أنه قال لغلامه أبى درة. وقد أهدى له أهل مصر هدايا كثيرة لا تقبل منها إلا ما يدخل في جراب، لا تقبل حيوانا، فقبل من هدايا الناس الثياب والطيب والعين والورق، وجعل يعزل كل هدية على حدتها، ويكتب عليها اسم صاحبها، وجد في استخرج مال مصر، فزجا منه نجمان، وتأخر النجم الثالث، وثلج أصحابه، فجمعهم وقال لهم. إنى قد حفظت عليكم ما أهديتموه إلى، وأمر بإحضاره وإحضار الجهبذ فما كان من عين أو ورق أجزأه عمن أهداه إليه وما كان من ثوب أو غيره باعه وأخذ ثمنه، حتى استغرق الهدايا كلها، ونظر فيما بقى بعد ذلك، فطالب به، فسارع الناس إلى الأداء، فيقال إنه عقد جماعة مصر من غير أن يبقى فيها درهم، ولم يعهد ذلك من قبله.
؟؟؟ وكان البرامكة قد فارقوا الرشيد على شيء يطلقونه له من المال للحوادث، سوى نفقاته وما يحتاج إليه هو وعياله، فعزم على الفصد، فقال لجعفر: يا أخي أنا على الفصد، وأريد التشاغل بالنساء، فكم تبعث إلى لما أهيئه لهن؟ قال: ما شاء أمير المؤمنين، قال عشرة آلاف درهم، قال: وأين المال؟ ولكن خمسة آلاف درهم، قال: فهاتها، فبعث بها إليه، ثم قال لجلسائه وقد افتصد: أي شيء تهدون إلى؟ فقال كل واحد منهم: قد أعددت كذا وكذا، واحتال الفضل بن الربيع في التخلص إلى منزله، فرهن حقه من قطيعة الربيع، وهو العشر، على مائة ألف درهم عند عون الجوهرى الحرى، فقال إنى أريد أن أهديها على الخليفة، فصيرها جددا ضربا، في عشرين بدرة ديباج، مختمة بفضة، وكان عون يحفظ للربيع يدا، فقال للفضل: أطابت نفسك عن جميع نعمتك في هدية اليوم؟ فأعلمه أن له عند الرشيد مواعيد، فقال له عون: فإن عندي خادمين مملوكين روميين، أحدهما ناقد، والآخر وزان، جميلي الصورة مراهقين وقد وهبتهما لك، وأحضره تابوت آبنوس محلى بالفضة، فصير البدور فيه مع الطيارات والموازين والصنجات، وأقفله بقفل فضة، وغشاه بديباج، وكسى الغلامين الديباج، وألبسهما المناطق والمناديل المصرية، ووجه بهما وبالتابوت مع من يحمله إلى دار الندماء، فلما ثنى الرشيد الدم قال: اعرضوا على هداياكم، فقدمت هدية يحيى وجعفر والفضل بن يحيى، من فاكهة ومشام، وما أشبه ذلك، وعرض عيسى بن جعفر وغيره هداياهم، فقال للفضل بن الربيع. أين هديتك يا عباسي؟ وبذلك كان يدعوه، قال: أحضرها يا أمير المؤمنين، فقال تجده قد ابتاع هدية بخمسين درهما، فقال للفراشين: احملوها، فحملوا شيئا راع الرشيد لما رآه، وكشفوا عن التابوت فاستحسنه ثم حضر الغلامان، فتح أحدهما القفل فأخرج الموازين والأوزان، وأخرج الآخر البدور، ففتح بدرة بدرة، واستوفي وزنها وختمها، فلم يدر الرشيد ما يستحسن من جلالة الهدية واستطير فرحا، وأمر بحمل المال، وإدخال الغلامين إلى دار النساء، ليفرقا المال على ما يأمرهما به. وقال للفضل: ويلك يا عباسي! من أين لك هذا؟ قال: سيعرفه أمير المؤمنين، قال: لتقولن. قال: بعت حقي من قطيعة الربيع لأسرك، لما رأيتك قد فصدت وأنت مغموم، قال: والله لأسرنك، وقام فدخل. وانصرف جعفر يجر رجليه إلى أبيه، فحدثه الحديث، فكتب كتب الفضل على بريد الموصل وديار ربيعة وديار مضر وختمها، وبعث بها إليه فردها، وقال: لا حاجة بي إليها. ولم يزل يحمل الرشيد عليهم حتى أوقع بهم.
٦- أدب الكتاب تأليف أبى بكر محمد بن يحيى الصولي (المتوفي ٣٣٦ هـ) المطبعة السلفية -مصر ١٣٤١ هـ
1 / 31