نبع فيران
ويخرج من صخرة في أعلى الحديقة نبع ماء غزير، بل هو أغزر نبع في الجزيرة كلها، قطره نحو تسعة قراريط مربعة، يجري كنهر صغير فيسقي الحديقة، ثم يغور في الرمال والحصى قبيل وصوله الحسوة، فيذهب ماؤه هدرا، مع أنه لو أعتني به وسير في قنوات لصير الوادي عن جانبيه جنة حافلة بأنواع الفاكهة والخضرة.
شكل 4-8: جبل المناجاة في وادي فيران.
ومما يذكر هنا أنه في سنة 1906 ظهر نبع جديد في علو فيران فوق النبع الكبير، وزرع البدو عليه، وفي سنة 1911 ظهر نبع آخر فوق هذا النبع عند البويب، ولكنه يجري قليلا ثم يغور في غابة الطرفاء، وأكد لي بعض عربان فيران أن فم النبع الكبير كان قديما عند قبة الشيخ أحمد أبو شبيب في وسط حديقة النخيل، ثم غار وظهر في مكانه الحالي كأن فم النبع يرتفع في الوادي مع الأيام.
هذا، ويرى عند فم النبع الكبير في جانب الوادي الأيمن طبقات من الطمي المتجمد لاصقة بالجبل، مما يدل على أن الوادي قد سد من أسفله في الأعصر الغابرة فصار بحيرة عظيمة، ثم زال السد فزالت البحيرة وبقيت آثارها.
جبل المناجاة
وفي الجبل الذي إلى يسار الوادي في أعلى الحديقة قمة مرتفعة تدعى «جبل المناجاة»، وفي تقاليد البدو أنه سمي كذلك؛ لأن الله سبحانه ناجى عليه موسى النبي عند مروره بفيران، وهم يزورونه كل سنة في آخر الصيف بعد موسم البلح ويذبحون له، يأتون سفح الجبل فوق النبع الكبير ومعهم الذبائح، فيذبح كل فريق منهم ذبيحة من الغنم أو المعزى، ثم يشتركون في جمل يقدمونه ذبيحة عامة فيأكلون منه ويوزعون على الفقراء، ويقرءون الفاتحة «لموسى وملائكة فيران»، قالوا: فكل من أحب الاشتراك في الذبيحة العامة ربط مقود الجمل بخرقة علامة لذلك، حتى إذا ما ذبح الجمل علقوا مقوده في شجرة طرفاء هناك تبركا، وقد بنى العرب قديما على رأس الجبل مزارا، وهو كوخ صغير من الحجارة الغشيمة ، ولكنهم قلما يصعدون إليه، فيكتفون بالزيارة في سفح الجبل.
تاريخ فيران
ومما زاد في شهرة هذا الوادي أنه في سفح جبل سربال العظيم، الذي قيل إن الأقدمين قدسوه وحجوا إليه كما مر، وإنه في طريق المسافر برا من مصر إلى البتراء وبلاد العرب، وقد مر به موسى النبي إذ خرج بقومه من أرض مصر، وفيه قهر العمالقة أسياد النبع في ذلك العهد، وطرقه النبطيون والآدوميون من قبلهم في تجارتهم، وهنا أسس الرهبان والنساك في صدر النصرانية أبرشية عظيمة دامت بضع مئين من السنين، كما تدل الآثار الباقية هناك إلى هذا العهد، وقد دلت أصناف النقود التي وجدت فيها أنها بلغت أوج مجدها بعد عصر الملك قسطنطين في آخر القرن الرابع، وبقوا إلى أن جاء العرب المسلمون في صدر الإسلام، فاغتصبوا البلاد منهم واحتلوها في مكانهم إلى اليوم كما سيجيء.
آثار فيران
Bilinmeyen sayfa