ذات مساء قرع جرس الكنيسة قرعات محزنة، مذكرا المؤمنين بموت المسيح، فلم يتردد فريد أن أرجع مواشيه إلى المزود، وسجد عند أعمدة سريره، وجعل يصلي أمام تمثال صغير للسيدة العذراء، ثم نهض فجأة وأخذ عصية حديدية بيده وخرج ...
كان فريد يسير في عقبة ذات مسالك صعبة، فيتسلق المنحدرات الوعرة، والأطواد الشاهقة، ولا يلتفت إلى الحصيات المتهيرة تحت أقدامه من مرتفع العقبات إلى أعماق اللجج.
وكانت العقبة تحتجب شيئا فشيئا وراء السرو المنتصب في أطراف الصخور.
أما النهار فكان يضيء الأشياء بشعاع شاحب باهت، وبعد هنيهة وقف الفتى الهائم على نفسه في المفاوز الوعرة، وكان قلبه يخفق خفقانا شديدا فقال: كن عونا لي يا ملاكي الحارس ولا تهملني!
ثم تقدم إلى الأمام بخطى وثيقة، في حين كانت الهوة تفغر فاها عن يمينه، والسرو الشاهق يهزهز أغصانه المستطيلة عن يساره، حتى انتهى به السير إلى مكان خطر رهيب، فخيل إليه أنه يسمع «طقطقة عظام صادرة من بين الصخور»، فاضطرب اضطرابا عنيفا، وحدق بنظره إلى الشفق البعيد فتراءت له مياه البحيرة من خلال شق في الجبل تذيب عليها الشمس أشعتها الصفراء، كأنها قمين من نحاس مذوب.
بعد فترة قصيرة زحف الضباب الكثيف في وسط أنوار بخارية، فامحقت تحته الأشياء، وأقبل الليل على صهوة جواد أدهم، فساد السكون في مطارح الجبل، ولم يبق من متحرك إلا حفيف الأوراق، ورقرقة المياه المتسربة من أعالي القمم.
مرت ساعات عديدة وفريد يضطرب وراء صخر منحن، شاخصا إلى الظلمة بعين تائهة بلهاء.
كان يلعن تهوره المجنون، وغباوته التي لا وجه لها من الحكمة، وود لو استطاع أن يهرب.
وإذ به يبصر مشهدا رهيبا تبسط أمام عينيه.
ذلك أنه رأى أشباحا سوداء، مرتدية ثيابا رهيبة، تزحف بسكون على الحضيض، كان بعضهم ينفخون في أبواق معكوفة، والبعض الآخر يحركون أذرعهم المجردة من اللحم، وهم ممددون في أكفان خفاقة من نسيج أبيض، وكانت شعلة مخيفة تعصب جبين أحد هؤلاء الأشباح، في حين كان تاج من الحديد يسحق بثقله رأس شبح يتثاقل بمشيته.
Bilinmeyen sayfa