أحدًا، فقال له: يقول لك أمير المؤمنين خذ هذه البدرة فقال قل لأمير المؤمنين يردها من حيث أخذها.
فانظر - رحمك الله - كيف حفظه الله من سطوتهم، ورد عنه كيدهم ببركة الإخلاص والتقوى، ولو اتفق هذا لغيره من الحمقى لخرج يقول اتفق لي مع أمير المؤمنين كذا، وقلت لأمير المؤمنين كذا وقال لي أمير المؤمنين كذا، يتبجح به ولا يقنع بعلم الله تعالى واطلاعه، فليتنبه المتنبه لمثل هذا، فإنه دليل على ما في القلب من الداء الدفين من الرياء وطلب الجاه والمنزلة.
وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وأدق من هذا وأغمض / ما حكاه أحمد بن إبراهيم المقرئ قال: كان أبو الحسين النوري رجلًا قليل الفضول لا يسأل عما لا يعنيه ولا يفتش عما لا يحتاج إليه، وكان إذا رأى منكرًا غيره، ولو كان فيه تلف، فنزل يومًا إلى مشرعة تعرف بمشرعة الفحامين يتطهر للصلاة إذا رأى زورقًا فيه ثلاثون دنا مكتوب عليها بالقار لطف فقرأه وأنكره لأنه لم يعرف في التجارات ولا في اليبوع شيئًا يعبر عنه بلطف فقال للملاح: أي شيء في هذه الدنان؟ قال: وأي شيء عليك؟ أمض لشغلك: فلما سمع النوري من الملاح هذا القول ازداد تعطشًا إلى معرفته، فقال: أحبُّ أن تخبرني أي شيء في هذه الدنان. فقال له الملاح: أنت والله صوفي فضولي هذا خمر للمعتضد يريد أن يتم به مجلسه. فقال النوري: هذا خمر؟ قال: نعم. قال: أحب أن تعطيني ذلك المدري فاغتاظ الملاح عليه وقال لغلامه: أعطه المدرى حتى انظر ما يصنع، فلما صار المدرى في يده صعد إلى الزورق فلم يزل يكسرها دنًا دنًا حتى أتى على آخرها إلا دنًا واحدًا، والملاح يستغيث إلى أن ركب صاحب العسس، وهو
1 / 66