سيطلبه أمير المؤمنين، فقال له صاحب الربع: ليس ببغداد عبد من هذا فكيف يكون من طلبة أمير المؤمنين فقال له: اسمع ما أقول لك، ثم دخل على هارون فقال: إني مررتُ على شيخ يلتقط النوى، فقلت له: الطريق يا شيخ، فرفع رأسه فرأى العود فأخذه وضرب به الأرض، فاستشاط هارون غضبًا، واحمرت عيناه، فقال له سليمان بن أبي جعفر: ما هذا الغضب يا أمير المؤمنين؟ ابعث إلى صاحب الربع يضرب عنقه ويرمى به في دلجة فقال: لا / لكن نبعث إليه نناظره أولًا، فبعث إليه فجاءه الرسول فقال: أجب أمير المؤمنين قال: نعم قال: اركب. قال: لا فجاء يمشي حتى وقف على باب القصر فقيل لهارون: قد جاء الشيخ. فقال للندماء: أي شيء ترون؟ نرفع ما قدامنا من المنكر حتى يدخل الشيخ أو نقوم إلى مجلس آخر ليس فيه منكر [فقالوا: نقوم إلى مجلس ليس فيه منكر أصلح بنا فقاموا صغرة "أي أذلاء" إلى مجلس ليس فيه منكر] ثم أمر بالشيخ فأدخل وفي كمه الكيس الذي فيه النوى فقال له الخادم: اخرج هذا وادخل على أمير المؤمنين فقال: من هذا عشائي الليلة. قال: نحن نعيشك. قال: لا حاجة لي في عشائك. فقال له هارون: أي شيء تريد منه. قال: في كمه نوى. فقلت له: اطرحه وادخل على أمير المؤمنين. فقال: دعه لا تطرحه. قال: فدخل وسلم وجلس فقال له هارون: يا شيخ ما حملك على ما صنعت؟ قال: وأي شيء صنعت؟ وجعل هارون بستحي أن يقول له: كسرت عودنا، فلما أكثر عليه قال: إني سمعت آباءك وأجدادك يقرؤون هذه الآية على المنبر ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [النحل: ٩٠] ورأيت منكرًا فغيرته قال: فغيره، فوالله ما قال إلا هذا، فلما خرج أعطى رجلًا بدرة يعني عشرة آلاف درهم. فقال له: اتبع الشيخ فإن رأيته يقول قلت لأمير المؤمنين، وقال لي فلا تعطه شيئًا به فإن رأيته لا يكلم أحدًا فأعطه البدرة، فلما خرج من القصر إذا هو بنواة قد غاصت في الأرض فجعل يعالجها ولم يكلم
1 / 65