وأوصى بعض السلف بنيه فقال: إن أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطن نفسه على الصبر، وليثق بالثواب من الله تعالى، فمن وثق بالثواب من الله تعالى لم يجد مس الأذى، ولقد كان الله تعالى يحفظ أكثرهم من بأس الظالمين ببركة إخلاصهم، وحسن مقصدهم، وقوة توكلهم، وابتغائهم بكلامهم وجه الله تعالى.
حكي: سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - قال: دخلت على أبي جعفر المنصور بمنى فقال: ارفع إلينا حاجتك.
فقلت له: اتق الله قد ملأت الأرض ظلمًا وجورًا.
قال: فطأطأ رأسه ثم رفعه، وقال: ارفع إلينا حاجتك.
فقلت: إنما / أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعًا، فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم.
قال: فطأطأ رأسه ثم رفعه، فقال: ارفع إلينا حاجتك.
فقلت: حج عمر بن الخطاب ﵁ فقال لخازنة: كم أنفقت؟ قال: بضعة وعشر درهمًا، وأرى ها هنا أموالًا لا تطيقها الجبال.
هذا كلام لأبي جعفر المنصور وقوله: ملأت الأرض ظلمًا وجورًا، فكيف لو رأى زماننا وأهله؟ .
ولقد اتفق لأبي جعفر هذا في حجته هذه قضية ينبغي ذكرها ليعلم بها قدر رتبته بالنسبة إلى أهل زماننا.
ذكر القرطبي ﵀ في تاريخه أنّ أبا جعفر لما حجّ استأجر جمّالًا مدة أربعين يومًا، فلما دخل المدينة أقام بها مدة فاستعدى عليه الجمال إلا قاض المدينة وقال: إنّ أمير المؤمنين استأجرني أربعين يومًا وإنّ له اليوم ستين يومًا، فكتب القاضي في ورقه: ليحضر أبا جعفر مجلس الشرع الشريف، وقال لرجل من جلسائه: اذهب إلى أبي جعفر فأعطه هذا الكتاب، وقل له: إن القاضي يطلبك إلى مجلس الشرع، فقال: أو يعفيني القاضي فقال: لا بد لك من ذلك،
1 / 61