فذهب بكتابه إلى أمير المؤمنين، ولم يتجرأ على الدخول إليه بالكتاب فوجد الربيع، فقال له: مالك؟ فذكر له القصة، فدخل على أمير المؤمنين وأخبره الخبر فقام في الحال وأمر مناديًا ينادي في العسكر: إنّ أمير المؤمنين قد طلب في مجلس الشرع فلا يتحرك له أحد من مكان، ثم خرج يمشي هو والربيع إلى أن قرب من منزل القاضي فقال للربيع إن تحرك لي القاضي من مجلسه فهو معزول، فدخل عليه وكان متربعًا فاحتبى بثوبه، وأوقف أمير المؤمنين مع الجمال فادعى عليه قال: ما تقول؟ قال: قد أمرت له بما ادعى، فرضي الجمال وخرج، فلما خرج قام القاضي من مجلسه، وجلس / بين يدي أمير المؤمنين.
ليت شعري! متى نرى من يعظم الشرع وينقاد له كما انقاد هذا الذي يقول له سفيان الثوري: قد ملأت الأرض ظلمًا وجورًا؟ .
اللهم أصلح أحوالنا، ووفق من وليته شيئًا من أمورنا، فإن نواهي الخلق بيدك، والهداية والتوفيق إليك، وأنت على كل شيء قدير.
ودخل مالك بن دينار على أمير البصرة فقال: أيها الأمير قرأت في بعض الكتب من أحق من السلطان، ومن أجهل ممن عصاني، ومن أعز ممن اعتز بي، أيها الراعي السوء: دفعت إليك غنمًا سمانًا صحاحًا، فأكلت اللحم ولبست الصوف وتركتها عظامًا تتقعقع، قال له والي البصرة: أتدري ما الذي يجرئك علينا ويجنبنا عنك قال: لا. قال: قلة الطمع إلينا وترك الإمساك لما في أيدينا.
ولقد صدق هذا القائل فإنّ من لم يقطع أطماعه من الخلق، ولم ييأس مما بأيديهم، ولم يعول في نفع ولا ضر عليهم لا يمكنه أن يأمرهم ولا ينهاهم.
- وقد روي عن بعضهم المشايخ أن كان له سنور - وهو القط - وكان يأخذ من قصاب في جواره كل يوم شيئًا من الغدد لسنوره، فرأى على القصاب منكرًا، فدخل الدار أولًا، وأخرج السنور، ثم جاء وأنكر على القصاب، فقال له القصاب: لا أعطيك بعد هذا شيئًا لسنورك، فقال: ما أنكرت عليك إلا بعد إخراج السنور، وقطع الطمع منك.
1 / 62