تصوره لمعجم عربي يحذو في تصنيفه حذو معاجم المشارقة تماما، ولا يكاد يجاوزها إلا قليلا، بحيث يمكن أن يقال إنه لن يكون معجم أفضل منه صنف على هذا النهج.
ولما كانت اللغة الفصحى أصل اللغات المحلية التي حلت محلها فقد كان لابد من هذه المعاجم للذين يدرسون مصنفات المؤلفين العرب في القرون الوسطى، وهي مصنفات تهمنا كثيرا مثل مصنفات المؤرخين، والجغرافيين، والقصاص، والنباتيين، والأطباء، والفلكيين وغيرهم، غير ان هذه المعاجم لم تكن تكفي الدارسين، فقد كان ينقصها كثير من الألفاظ والمعاني، فقد أقصى لين من معجمه كل الألفاظ والعبارات غير الفصيحة إلا فيما ندر، كما يعترف هو بذلك. وفريتاج يذكر منها أكثر مما ذكر لين، غير إنه لم يبحث عنها بحثا منسقا في أي كتاب حتى في الكتب التي قام بنشرها، فهو لم يوفق إلى جمع هذا الصنف من الألفاظ والعبارات فبرهن على فقده روح البحث والنقد. فهو مثلا لم يقرأ كتاب ألف ليلة وليلة، كما يشهد على ذلك معجمه، ولكنه التقط من هنا وهناك كيف ما اتفق له مجموعات من الألفاظ العويصة التي أضافها «هابيشت» إلى الأجزاء المختلفة من طبعته لهذه القصص، وقد برهن فليشر بصورة تدل على الذكاء وبعد النظر كما تدل على سعة العلم، على إن هذه المجموعات تضطرب فيها الأغلاط وتكثر فيها الأوهام، غير أن فريتاج لم ينتبه إليها ولم يتشكك فيها، بل نستطيع أن نقول إنه كثيرا ما كان يحاول أن ينقل منها أغرب المزاعم وأكثرها سخفا وأبعدها عن الصواب، تاركا منها ما قد يكون أقرب إلى الصواب.
ولابد إذًا من أن يصنف معجم يجمع الألفاظ والعبارات التي لم يستعملها العرب في لغتهم الفصحى قديمًا. غير أن الأدب العربي واللغة العربية من السعة والثراء بحيث لابد أن تنقضي سنون كثيرة، بل ربما قرون قبل أن يشرع في تصنيف مثل هذا المعجم. يقول لين، وهو الخبير بلا منازع،: «إن معجما للعربية غير الفصحى لا يمكن أن ينهض بجمعه وتصنيفه إلا عدد كبير من العلماء المنتشرين في مختلف مدن أوربا التي فيها مكتبات تزخر بالمخطوطات العربية، ومثلهم من العلماء في مختلف أقطار آسيا وأفريقية، يستمدون بعض مادتهم من الكتب، ويستفيدون بعضها من المعارف التي يستطيع العرب وحدهم معرفتها، ولابد لهم من جماعة كبيرة من المساعدين المتخصصين في العلوم الإسلامية». إن الفكرة في ذاتها جميلة جليلة. غير أنها فكرة سهل تصورها صعب تحقيقها، إذ كيف يتسنى أن يشارك في أمر عسير عمله، طويل أمده عدد من العلماء في ثلاث قارات من قارات الارض، والمستشرقون منهم في أوربا، وهم مبعثرون في مدنها، كل واحد منهم منصرف إلى مشاغله الخاصة، والمشارقة منهم لم يألفوا أساليبنا العلمية؟ ثم من يرغب في أن ينهض بأعباء عمل لا يرغب فيه أحد فيقوم بتأليف وتحرير مثل هذا المصنف، لأن تأليفه وتحريره لابد أن يعهد به إلى رجل واحد؟ وهل يستطيع مؤلفه أن يطمئن إلى كفاءة مساعديه وسداد عملهم؟ وهل يوفق إلى تحقيق الانسجام بين هذا العدد الكبير من
1 / 15