428

ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور

[النور: 40].

{ وليعلم الذين أوتوا العلم } اللدني من دون الله ووفقوا من عنده لقبول أحكامه { أنه } أي: القرآن وآياته المشتملة على الأومر والنواهي، والأحكام والمعارف والحقائق، أو إقداره سبحانه على الشيطان بإلقائه المذكور افتنانا منه سبحانه و ابتلاء { الحق } الثابت المحقق النازل { من ربك } يا أكمل الرسل { فيؤمنوا به } أي: بالله بإنزاله القرآن أو بإقداره على الشيطان أن يلقي على لسان أنبيائه اختبارا لعباده { فتخبت } وتطمئن { له قلوبهم } ويزداد وثقوهم، وصاروا على خطر عظيم واحتياط بليغ { وإن الله } المطلع لضمائر عباده { لهاد الذين آمنوا } وأخلصوا بلا شوب شك وتردد { إلى صراط مستقيم } [الحج: 54] موصل إلى توحيده بلا عوج وانحراف.

{ ولا يزال الذين كفروا } بالله وانصرفوا عن مقتضيات آياته الكبرى لمرض صدروهم وعمى قلوبهم { في مرية } أي: شك وارتياب { منه } أي: من القرآن، أو من ابتلاء الله إياهم بإلقاء الشيطان { حتى تأتيهم الساعة } أي: أشراطها وأماراتها { بغتة } فجأة، وهم في ريبهم يترددون { أو يأتيهم عذاب يوم عقيم } [الحج: 55] هو عذاب يوم القيامة، وصفه بالعقم؛ لأنه لا يقبل فيه توبة، ولا إيمان، ولا شفاعة، كأنه عقيم لا بلد لهم خيرا، ولا يثمر فيها عملهم ثوابا، ولتوبتهم قبولا، وكيف يقبل فيه منهم التوبة الاستغفار وينفعهم الإيمان؟.

[22.56-62]

إذ { الملك } والتصرف { يومئذ } أي: بعد انقضاء دار الابتلاء والاختبار { لله } المستقل بالألوهية والربوبية والتصرف مطلقا، وإن كان في النشأة الأولى أيضا كذلك، إلا أنه سبحانه أقدرهم على الإطاعة والانقياد، كما أقدرهم على الإنكار والعناد لحكم مصالح؛ إذ هي دار الفتن والابتلاء والاختيار، وبعد انقضائها لا يقبل منه جبر ما فوتوا على نفوسهم في تلك النشأة بل { يحكم } سبحانه بحكمه المبرم { بينهم } على مقتضى علم نهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر { فالذين آمنوا } بالله على جه الإخلاص والإخبات { و } مع ذلك { عملوا الصالحات } المترتبة على الإيمان واليقينن هم في النشأة الأخرى { في جنات النعيم } [الحج: 56] دائمين يها مقيمين، لا يتحولون إلى ما هوأدنى، بل يترقونه إلى الأعلى حتى يفوزوا بشرف اللقاء.

{ والذين كفروا } بالله فيها { وكذبوا بآيتنا } المنزلة على رسلنا لبيان توحيدنا { فأولئك } الأشقياء المذبون المردودون { لهم } في الآخرة { عذاب مهين } [الحج: 57] لإهانتهم أنبياء الله ورسله، وما نزل عليهم من الآيات.

ثم قال سبحانه: { والذين هاجروا } وتركموا مضيق الإمكان ساكنين { في سبيل الله } طالبين فضاء به الوجوب والفناء فيه { ثم قتلوا } على يد الغفلة الجهلة عن توحيد الله واستقلاله في الوجود { أو ماتوا } بالموت الاضطراري حتف أنوفهم بعدما خرجوا عن مقتضيات الحياة الصورية بالموت الإرادي { ليرزقنهم الله } المنعم المفضل { رزقا حسنا } حقيقا من لدنه تفضيلا عليهم وامتنانا، وكيف لا يرزقهم مع أهم أولياؤه وهو رازق لأعدائه أيضا؟ { وإن الله } المتجلي في الآفاق، المتكفل لأرزاق من عليها وما عليها { لهو خير الرازقين } [الحج: 58] ممن نسب إليهم مجازا، إذ مرجع الكل إليه، ومبدؤه منه وتوفيقهم بيده، وهم تحت ظله، وفعلهم حقيقة منسوب إليه.

وبعدما رزقهم الله بالرزق المعنوي بدل ما جاهدوا في سبيله من تحمل المشاق والمتاعب في الانقطاع عن مألوفات بقعة الإمكان ومطبوعات نفوسهم وهوياتهم من اللذات والشهوات البهيمية.

{ ليدخلنهم } سبحانه بفضله وسعة جوده { مدخلا يرضونه } أي: مسكنا ومقاما يرضون منه نفوسهم بدل ما يتركون من البقاع والديار والقصور المشيدة المرتفعة ألا وهي المكاشفات والمشاهدات الواردة عليهم من الاطلاع على سرائر الأسماء والصفات الإلهية، والواردات الغيبية من عالم اللاهوت { وإن الله } المدبر لأمور عباده { لعليم } بمصالحهم وما يستدعي استعداداتهم { حليم } [الحج: 59] يفعل معهم ما يرضى به استعداداتهم ويسع له قابلياتهم.

Bilinmeyen sayfa