[22.51-55]
{ والذين سعوا } وبذلوا وسعهم وجهدهم { في } إبطال { آياتنا } وردها وتكذبها، ومع ذلك صاروا { معاجزين } مسابقين ومبادرين إلى رد الممتثلين المصدقين بها وإنكارهم { أولئك } الأشقياء والمردودون هم { أصحاب الجحيم } [الحج: 51] وملازموها لا نجاة له منها أصلا.
ثم لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إصرار قومه على الكفر وشدة عنادهم وشيكمتهم عليه وعلى دينه، تمنى أن يأتيه الله ما يقاربهم ويحببهم معه، ويزل غيظه عن قلوبهم ويلينها، فأنزل الله سبحانه سورة:
والنجم
[النجم: 1] فقرأها فرحا وسرورا كي يسمعوا، ويميلوا إلى طريق الحق، فلما وصل إلى قوله تعالى:
أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى
[النجم: 10-20] توجهت قريش نحوه، والتفتوا إليه على وجه يشعرهم التلقي والقبول، فيلهي تلقيهم الرسول صلى الله عليه وسلم فغفل عن قلبه وشغل، ألقى الشيطان على لسانه في أثناء كلامه على مقتضى مناه ومتمناه، وأسمعهم الآية هكذا: تلك الغرانيق العلى منهم شفاعة ترتجى، ففرحت بذلك قريش، وفلم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم ما صدر عنه لاستغراقه في أمنيته، فوجودهم مائلين نحوه، محسنين له، وازداد تحسينهم ومحبتهم له إلى أن سجدوا في آخر السورة المؤمنون والمشركون جميعا، فسر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسرت قريش معه، ومن كلامه صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: إن محمدا قد ذكر شفعاءنا بالخير.
فجاء جبريل عليه السلام فأخبر بما صدر عنه من تخليط الوحي بغير الوحي، فاغتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد اغتمام، وخاف خوفا شديدا من غيرة الله وقهره.
فأنزل اله سبحانه تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم وإزالة لخوفه: { ومآ أرسلنا من قبلك } يا أكمل الرسل { من رسول } ذوي وحي وشرع وكتاب { ولا نبي } ذي وحي ومنام أو إلهام، له شرع وكتاب أو شرعة بعث لترويج شرع غيره من الأنبياء والرسل وكتبهم { إلا إذا تمنى } وطلبت شيئا أحب وقوعها من تلقاء نفسه بلا ورود وحي عليه وتمنى من الله أن ينزل عليه من الآيات مناسبا لما أمله وأحبه { ألقى الشيطان } من تسويلاته وتغريراته { في أمنيته } ومبتغاه فيلهيه عن نفسه ويخلط بالوحي من تسويلاته، ثم بعدما تنبه وتذكر ورجع إلى الله متندما تائبا آيبا { فينسخ الله } المؤيد لأنبيائه الحفيظ عليهم { ما يلقي الشيطان } ويزيله { ثم } بعدما أزال ونسخ سبحانه ما خلط الشيطان وأدخله في خلال الوحي من تلبساته { يحكم الله آياته } المنزلة من عنده، ويخبر بها، ويفصلها إحكاما تاما وإتقانا محكما { والله } المدبر لأحوال عباده واستعداداتهم { عليم } بما أنزل عليهم بما يناسب استعدادهم { حكيم } [الحج: 52] في إنزلاه وتدبير مصالحهم.
فإن توهم أن الله قادر على محافظة أنبيائه ورسله، سيما نبينا صلى الله عليه وسلم من إلقاء الشيطان وتغريره وتخليطه إياهم أول مرة، فلم لم يحفظهم من إلقائه حتى لا يصدر عنهم ما صدر ثم نسخ؟ قيل: إنما لم يحفظهم سبحانه أول مرة { ليجعل } سبحانه { ما يلقي الشيطان } في أثناء الوحي { فتنة } وابتلاء { للذين في قلوبهم مرض } ميل عن الحق وانحرام عن طريقه، هل يعرفون ويميزون كلام الحق من تسويلات الشياطين أم لا؟ { و } لاسيما المرضى { القاسية قلوبهم } عن أن يسع فيها كلام الله، هم المشركون الذين ختم الله على قلوبهم وعلى أبصارهم، وعلى سمعهم غشاوة عظيمة وغطاء غليظ، تعميهم عن آيات الله، وإدراك مقاصده وبالجملة إن الظالمين المتجاوزين عن مقتضى العقل والشرع لاتخاذهم الجمادات التي نحتوها بأيديهم شركاء لله شفعاء عنده { وإن الظالمين لفي شقاق } خلاف وجدال { بعيد } [الحج: 53] عن الحق بمراحل
Bilinmeyen sayfa