هذا التعلُّق الذي تجلى أروع ما يكون في الدِّفاع عنه في مسألة الزيارة (١)، وفي تأليف كتاب في سيرة حياته (٢)، ومن يدري ربما ختم كتابه هذا بترجمته، وكأنه يختِمُ به الحُفَّاظ والتاريخ.
وفي "العقود الدرية" نصٌّ يصوِّر جانبًا من هذه العلاقة في مرحلتها الأولى، نلمح من خلاله اهتمامَ الشيخ ابن تيمية بالفتى ابن عبد الهادي، وفَرَحَ ابن عبد الهادي بهذا القرب المتمثل بالتشديد على ياء المتكلِّم، يقول: "وكنت أتردد إليه في هذه المدة أحيانًا، وقرأت عليه قطعة من الأربعين للرازي، وشرحها لي، وكتب لي على بعضها شيئًا ... ولقد حضرتُ معه يومًا في بستان الأمير فخر الدين بن الشمس لؤلؤ، وكان قد عمل وليمة، وقرأت على الشيخ في ذلك اليوم أربعين حديثًا ... " (٣).
أما شيخه المِزِّي فقد تميَّز عن معاصريه بعِلْمين: الحديث والعربية، وقد استغرقته معرفة الحديث حتى صار إمامًا فيه، جعل بعضهم يرفعه فوق الدارقطني (٤)، فهذا الاستحضار الرائع لأسماء الرجال، ولمعرفة العلل، وضبط المُشْكل والمبهم، ومعرفة الطُّرُق والأسانيد (٥) جعلت كبار أئمة ذلك العصر يقرؤون بين يديه، ويجبنون بحضرته، ولم يكن يَسْلَم واحد منهم من ردِّه عليه، حتى ابن تيمية
_________
(١) انظر ص ٣٨ وما بعدها من هذه المقدمة.
(٢) سماه "العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية"، وقد طبع بالقاهرة سنة ١٣٥٦ هـ-١٩٣٨ م بتحقيق محمد حامد الفتي.
(٣) انظر "العقود الدرية": ٣٢٦ - ٣٢٧.
(٤) "طبقات الشافعية" للسبكي: ١٠/ ٣٩٨.
(٥) "طبقات الشافعية" للسبكي: ١٠/ ٣٩٧.
1 / 25