وأخذ القراءات عن شيخ القراء في عصره ابن بَصْخَان (١)، وقرأ النحو على أبي العباس الأندرشي، وهو ممن شرح "التسهيل" لابن مالك (٢).
ونحو سنة (٧٢١ هـ) -وهو بعد في السادسة عشرة- بدأ يتردد إلى عالمين كبيرين في عصره، هما: المِزِّي وابن تيمية (٣)، عند الأول تعلم علل الحديث بعد أن أدرك إسناده، وعند الثاني فهم روح الشرع بعد أن حفظ فقهه.
وقد تميَّزت علاقته بابن تيمية -على قصرها- تميزًا واضحًا، وطبعت حياته بطابَعِها، فرغم أن مدَّتها لم تتجاوز سنواتٍ خمسًا إلا أنها كانت عميقة الجذور، واضحة المعالم، إن عقلًا ذكيًّا كعقل ابن عبد الهادي لا يقنعه إلا مثل عقل ابن تيمية الحاد الواضح، إن ما بين التلميذ والأستاذ من التشابه في منهج الرؤيا، وطريقة التفكير، أبعد من أن يكون مجرَّد تقليد تلميذ لأستاذه، إنه أكثر من ذلك بكثير وأعمق، إنه تلاقٍ بين عقلين جبارين، يدركان من أسرار الشرع والفهم له ما لا يدركه ذلك الإِنسان الذي يسعى وراء صحة إسناد أو إظلامه .. ولكن امتدَّ عمر ابن تيمية فَخُلِّدَ، ومات ابن عبد الهادي شابًّا فَنُسِيَ، ومن ثَمَّ تتبدى لنا كلمة الصَّفدي الحزينة والصَّادقة التي قالها في ابن عبد الهادي: "لو عاش كان عجبًا" (٤) .. ومن ثم -أيضًا- ندرك سرَّ تعلقه الكبير بابن تيمية،
_________
(١) "الوافي بالوفيات": ٢/ ١٥٩ - ١٦١.
(٢) "الدرر الكامنة": ١/ ١٤٥.
(٣) "العقود الدرية": ٣٢٦.
(٤) "أعيان العصر" (خ): ١٢١.
1 / 24