نفسه (١)، وقد توَّج هذه المعرفة بكتابٍ لم يسبقْ إلى مثله، هو "تهذيب الكمال" (٢)، أوضح فيه من المشكلات والمعضلات ما لم يتعرَّض غيره لها.
وبرع أيضًا في علم العربية، حتى قيل فيه: لم ير بعد أبي حيان النحوي مثله في العربية، وخصوصًا في التصريف (٣).
إلى جانب علمه نرى عند المِزِّي أخلاق العلماء، فرغم أنه كان عبوسًا مهيبًا (٤)، في مجلسه يخيم سكوت وسكون (٥) إلا أنه كان كثير التواضع، فيه صبر وحِلْم وقناعة وتودُّد (٦)، صبر على فقره طوال حياته، حتى إنه اضطر إلى بيع أصل كتابه بخطِّه (٧)، وظل يتوجَّه إلى الصالحية ماشيًا على قدميه وهو في عَشْر التسعين (٨).
هذه الصِّفات الهادئة المهيبة جعلته لا يعرف قدرَه إلا مَنْ أكثر من مجالسته (٩)، وقد لازمه ابن عبد الهادي نحو عشر سنين حتى برع عليه في عِلْم الرِّجال والعِلل (١٠)، بل إنه كثيرًا ما كان يقف في مجلسه -وقد
_________
(١) "طبقات الشافعية" للسبكي: ١٠/ ٤٢٩.
(٢) انظر ترجمته رقم (١١٥٥) من هذا الكتاب.
(٣) "الدرر الكامنة" ٥/ ٢٣٥.
(٤) "طبقات الشافعية" للسبكي: ١٠/ ٣٩٨.
(٥) "طبقات الشافعية" للسبكي " ١٠/ ٤٣٠.
(٦) "الدرر الكامنة": ٥/ ٢٣٣.
(٧) "الدرر الكامنة" ٥/ ٢٣٦.
(٨) المصدر السابق.
(٩) المصدر السابق.
(١٠) "ذيل تذكرة الحفاظ" للحسيني: ٤٩، و"ذيل طبقات الحنابلة": ٢/ ٤٣٦.
1 / 26