وأبو الطيب المتنبي، وإن غالى في احترام نفسه وتبجح في مدحها وتعظيمها، فهو مصيب في ذلك، ولولا هذا الاعتداد العظيم ما بلغ ما بلغ من الشهرة.
قد تخاله مجنونا حين تسمع قوله:
وإني من القوم الذين نفوسهم
بها أنف أن تسكن اللحم والعظما
ولكن الافتخار هو الذي وقف حاجزا حصينا دون المتنبي ودون الرذائل التي تمرغ بها أكثر الشعراء.
وليعلم كل واحد منا أن قيمة نفسه مكتوبة على صفحات وجهه كما تكتب أسعار البضاعة عليها، فإذا رأى الناس أن سعرها رخيص فلا يكلفون نفوسهم بتقويمها أكثر مما قومتها أنت، فكن محترما نفسك واثقا بها ليحترمك الناس ويعتمدوا عليك بمقدار ما تعتمد أنت على نفسك، وثق وتأكد أن عدم الثقة بالنفس هو سبب أكثر ما يصيبنا من فشل؛ فاعتقاد المرء بقوته قوة له، والذين لا ثقة لهم بأنفسهم أو بقواهم هم أضعف الناس وإن كانوا أقوياء. أما ما يظهر لنا من أنانية البعض - وإن كان بشعا منكرا - فهو في الغالب دليل على ما فيهم من المقدرة على تحقيق رغائبهم، بل ربما كانت الأنانية ضرورية للرجال الممتازين، فإن الطبيعة تولد في المرء رجاء شديدا لئلا يتردد قبل أن يدرك الغرض السامي الذي انتدبته له؛ ولهذا تجعل فيه هذه الأنانية المفرطة التي تشمئز منها الناس أحيانا.
إن هذه الثقة بالنفس لهي قوة احتياطية لا بد منها لمجاهد كالذي يقول: «ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل.»
إن من يكون مقتنعا كل الاقتناع بمقدرته على إدراك أمجاد معينة لا يلبث أن يدركها فعلا، قال أحدهم: «إن الشجرة يجب أن تمد جذورها في الأرض قبل أن تزهر وتثمر، وعلى الإنسان أن يقف على رجليه مستنكفا من كل صدقة أو مساعدة، إنهما تذلان أكثر مما تعزان.» وقد قال المتنبي في وصف أسده العبقري:
أنف الكريم من الدنية تارك
في نفسه العدد الكثير قليلا
Bilinmeyen sayfa