وقد قال أحدهم: «إن الاعتماد على النفس من أعظم أركان الأخلاق ، وهو يجعلنا أنسباء للرجال الذين أثبتوا حقهم الإلهي بالخلود في ذاكرة البشرية.»
أما الضعفاء المتكلون على سواهم فهم كما قال شكسبير: «لا يعرفون ولا يستطيعون أن يعرفوا مزية الشمم والإباء.»
إن من يخلص لنفسه يستطيع أن يكون مخلصا للآخرين، والعكس بالعكس. قد يسأل واحد: وماذا يجب أن يرافق اعتمادنا على النفس كي ننجح؟ نعم يا سيدي، قال الذين صحبوا الدنيا قبلنا: هيئ الرفيق قبل الطريق، يجب أن تكون الحماسة والنخوة أو الطاقة رفيقة هذا الدرب؛ لأنك إذا كنت رخوا فلا يمكنك أن تعتمد على نفسك لأنك بلا نفس، فالنفس هي دينمو الطاقة، وبقدر ما يكون هذا الدينمو مولدا تكون الاستطاعة وافرة.
علمتني الأيام أن ليس في شرع العزم شيوخ وشبان، وقد يوجد العزم في الشبان والشيب، فإذا كان رافائيل وبيرون وبو ماتوا في السابعة والثلاثين تاركين ميراثا أدبيا فنيا خالدا، فهوميروس نظم الأوديسا في شيخوخته، والجاحظ كتب بخلاءه في التسعين. فإذا كنت آمنت بالاعتماد على النفس، فزن نفسك بميزان حميتك ونخوتك، وإياك أن ترجح فما تخدع إلا نفسك ...
كمال العلم بالحلم
عندما زرت دمشق أول مرة أعجبت بصناعتها النحاسية المزركشة، ولفتت نظري الكلمات الجامعة المحفورة والمنزلة في صدور تلك الأواني الطريفة، فاشتريت منها واحدة ما زلت أحتفظ بها لأجل كلمة رائعة وهي: «كمال العلم بالحلم.»
ومر بمخيلتي حينئذ ما قالت العرب في مدح الحلم وكيف كانوا يعدونه رأس صفات خلفائهم وأمرائهم وأولي السلطان منهم، فهذا الأخطل يقول في أحبابه بني أمية: «وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا»، كما قال قبله زهير في الناس أجمعين:
وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده
وإن الفتى بعد السفاهة يحلم
أما المتنبي العنيف فلم يقبل الحلم على علاته، بل راح يقول:
Bilinmeyen sayfa