التقدم
حدثني الصديق محمد عاكف شاعر الإسلام رحمه الله قال: كان فلان من علماء الترك الصالحين الزاهدين، وكان السلطان عبد الحميد حريصا على أن يراه، والشيخ حريصا على الفرار منه، كان السلطان يدعوه فلا يلبي الدعوة حتى أعياه الأمر. كان الرجل صوفيا صادقا يفر بدينه وخلقه من فتن الجاه والمال ومزالق الرغبة والرهبة والملق في القول والفعل، وللصوفية سيرة مستقيمة يخافون عليها العوج، وخطة قاصدة يشفقون فيها من الهوى، ومعاملة مع الله يغارون عليها مما سواه. يجتهد واحدهم أن يجعل فكره وذكره وعبادته نغمات متسقة وأنشودة ملحنة، يخشى عليها نغمة شاذة وصوتا ناشزا، ويرى أن الطريق سير مستمر وتقدم مطرد يتشاءم فيه من الوقفة والرجعة والتردد والغفلة.
قال: ومر الشيخ يوما أمام القصر فرآه السلطان على البعد أو أخبر بمروره فاغتنم الفرصة وأمر أحد الأعوان بالمسارعة إلى الشيخ والتلطف في دعوته، وأسرع الرجل إلى الشيخ وقد جاوز باب القصر، قال: إن مولانا السلطان يدعوك، فأبى الشيخ. وألح الرسول وتلطف ما استطاع، فقال الشيخ: يا بني، إني ضعيف كما ترى، وقد بعدت عن الباب ويشق علي الرجوع. قال: ياسيدي، إنها خطوات قليلة لا يشق عليك أن تسيرها، قد جاوزت الباب قليلا فلا يصعب عليك الرجوع.
قال الشيخ: يا بني، إني منذ سنين كثيرة أجاهد لأتقدم خطوة واحدة، فكيف تريدني على أن أرجع هذه الخطوات؟!
الأحد 11 شعبان/28 مايو
عز الطاعة وذل المعصية
في دعاء مأثور:
اللهم إني أعوذ بعز طاعتك من ذل معصيتك.
حق أن الإنسان يمضي قدما أبيا عزيزا ما دام عمله مطابقا للشريعة التي اتخذتها أمته وتمسكت بها جماعته، ويسكن إلى نفسه ويستريح في وجدانه كلما نظر في سيرته فلم يجد فيها مخزية يطأطئ لها أو جريمة يخزى بها، ويأمن في سره وعلانيته غير خائف أن يطلع الناس منه على ما يكرهون، أو يفجئوه مقترفا جريرته، مكذبا خفية ما يدعيه جهرة، فهو عزيز بعمله كريم بسيرته.
وترى الإنسان المتكبر المتجبر المختال المعتز بسلطانه، تسف نفسه إلى المخازي فيخشى أن يطلع عليه فيهاب من يستصغره، ويخاف من يحقره، ويذل لخادمه ولكل إنسان يطلع منه على ما أسر من شناعة وأخفى من دناءة، وهو - لولا إسفافه إلى المخازي - عزيز كريم لا يهاب أحدا في سر أو علن، ولا يطأطئ رأسه لعظيم أو حقير.
Bilinmeyen sayfa