لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع. لعل الناس اختلفوا. وقال الشافعي في أثناء مناظرته لمحمد بن الحسن: لا يكون لأحد أن يقول أجمعوا حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا يقبل على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة. فقال لي تضيق هذا جدا قلت: له وهو مع موجود وقال في موضع آخر وقد بين ضعف دعوى الإجماع وطالب من يناظره بمطالبات عجز عنها فقال له المناظر فهل من إجماع قلت: نعم. الحمد لله كثيرا في كل الفرائض التي لا يسع جهلها وذلك الإجماع هو الذي إذا قلت: أجمع الناس لم تجد أحدا يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من أدعى الإجماع فيها، وقال بعد حكاه في مناظرته أو ما كفاك عيب الإجماع أنه لم يرو عن أحد بعد رسول الله ﷺ دعوى الإجماع إلا فيما لم يختلف فيه أحد إلى أن كان أهل زمانك هذا. قال له المناظر: فقد ادعاه بعضكم. قلت: أفحمدت ما ادعى منه؟ قال: لا. قلت: فكيف صرت إلى أن تدخل فيما زعمت في أكثر ما عبت الاستدلال من طريقك عن الإجماع وهو ترك ادعاء الإجماع فلا تحسن النظر لنفسك إذا قلت: هذا إجماع فتجد حولك من يقول لك معاذ الله أن يكون هذا إجماعا. وقال الشافعي في رسالته: ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعا فهذا كلام أئمة أهل العلم في دعوى الإجماع كما ترى.
فلنرجع إلى المقصود فنقول: من قال من أصحاب رسول الله ﷺ إن من ترك الصلاة عمدا لغير عذر حتى خرج وقتها أنها تنفعه بعد الوقت وتقبل وتبرأ ذمته فالله يعلم أنا لم نظفر على صاحب واحد منهم قال ذلك.
وقد نقلنا عن الصحابة والتابعين ما تقدم حكايته، وقد صرح الحسن بما قلناه، فقال محمد بن نصر المروزي في كتابه في الصلاة: حدثنا إسحاق حدثنا النضر عن الاشعت عن الحسن قال: إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمدا فإنه لا يقضيها. قال محمد وقول الحسن هذا يحتمل معنيين: أحدهما أنه كان يكفره بترك الصلاة متعمدا فلذلك لم ير عليه القضاء؛ لأن الكافر لا يؤمر بقضاء ما ترك من الفرائض في كفره.
1 / 86