وجائز في المنطق أن يقول " العبسي عنترة " للرجل من ولد حام لا تضمه وأم العبسي قبيلة من قبائل الحبشة ولا بلد من بلادهم: يا خالي. وقد جاء عن رسول الله ﷺ أنه كان يقول للرجل من هلال بن عامر: " يا خالي " لأن بعض نسائهم ولدت بعض أجداده ﷺ. وقد يقول الشاب المقتبل للشيخ المسن، وليس بينهما قرابة ولا معرفة: يا عم. وهو يريد التقرب منه والتحنن. وكذلك يقول الشيخ الكبير للفتى الناشيء: يا ابن أخي. وجار على ألسنة العامة والخاصة، أن يقول أحد المتجاورين للآخر: يا أخي؛ وأحدهما رومي والآخر فارسي أو عربي. وإنما الغرض في ذلك التودد، وأن آدم ﷺ ولد البشر كلهم، فكما أنه يقال للرجل: ابن آدم، وبينهما من الآباء ما الله به عليم، فكذلك يكون الرجلان أخوين للآدمية.
وذوات الجناح كلها إخوة لمكان الريش، وإن كان بعضها يعدو على بعض، وسباعها تقتنص بغاثها، غير حافلة بقرابة الجنس.
وما أفقر العلج الوحشي إلى دعوى الصليانة وهي في فيه! وهل يقيم الظبي الراتع بينة على تلك الحلية وقد جعلها بين فكيه؟ وليس بالضب حاجة إلى إدعاء العترة النابتة عند الكدية، وهي تشمى شجرة الضب.
والله تعالى جعلني وإياك قرنين فقال: " والخيل والبغال والحمير لتركبوها ".
والأتن في أكفها لا تسلم الفضل إلى الخيل في سروجها. والعتارف على السباطة لا تقر للظلمان بالمفازة. ولو تنافر ديك وظليم لجاز أن يقضي لديك.
وأما أمرك إياي الصبر، فإن فضل ربنا لا يحظر، والفرج من عنده ينتظر. وكيف لا تأمر نفسك بذلك إذ تبحث بيديك تطلب الشعير وقد علمت أن من أجلك حمل على البعير وأنه آتيك لا محالة؟ فهلا صبرت ساعة حتى يأتيك به سائسك من قبل ظهور جشعك وحرصك؟ وكذلك تحمحم تريد الماء، وربك ما بسط لك الأظماء، وقد اشترى الشعيب الموثقة ليرويك بها من بارد النزوع؛ وقد رأتيه يؤثرك بلبن صراح، أفحسبته ممنعك من القراح؟ إن ذلك لظن أفين.
وإنما مثلي ومثلك، مثل رجل سأل آخر أن يرشده إلى الطريق فأراه الفرقد أو الجدي، لقد أبعد عن الهدى! أو مثل ظمآن استسقى في المقيظ فقيل له: إن بمكان كذا مدهنًا يمتليء من وسمي الربيع، وأني له بذلك ومطلع الذراع ما كان، لا غيرها من النجوم الأسدية، وإنما يرجي برد الليل بعد مطلع سهيل؟ ومثل رجل آخر استطعم رجلًا من لحم جزوره، فقال: ألا أدلك على خير من ذلك؟ إن جبل كذا من أجبال السراة، وهو منا على ست أو سبع، ينبت النبع، فاذهب إليه فاختر حظوة على عينك، ثم اصنع لك منها قوسًا، فاقعد بها على موارد الأراوي، فإن لحمها رخص؛ وقد قال الأول:
أَقولُ لِعَمْرٍو إِذ مرَرْنَ بَوارِحًا ... وهُنَّ لنا الإِكثابُ والصَّيْدُ مُخلِقُ
أَلا إِنما التمرُ الذي أَنتَ آكِلٌ ... هوَ الأُهْبُ والمستَرخَصُ المتمزِّق
فَعِنْهنَّ أَو فاسبُبْ فتلك رِمايةٌ ... لها عند دَبَّاغِي تهامةَ مَنفقُ
فأحسن الله جزاءه على بعد الإرشاد! من حسن عمله حسن قوله. وأبى حفل الناقة المعذرة، ومراح السوام لن ينجي الباخل من لذع اللوام. اضرب العراقيب فأشبع ضيفك وأطعم اليعاقيب. واحلب في إنائك للعيمان إذا نزل بفنائك، فركب يشكرها لديك أولى بما في صحنك ورفديك من نساء يشربن المحض ويقين، ولا تعرف من خبرهن اليقين. ولعل ما جمعنه في العضد والساق عن ألبان لقح مناق، كان متعة معاديك، ولا يشكر ما فرط من أياديك.
1 / 20