============================================================
وقد بان بهذا الشعور كذبه في ادعائه صنع المعروف لله منذ سنين.
ويبدو الإمام المحاسبي المعيا في وضع المقاييس الدقيقة لاختبار إخلاص النفس في عملها، فهو يقول في "آداب النفوس" : هب أنك أردت أن تصنع وليمة تبر بها الأحباب لوجه الله تعالى، فاختارت نفسك عددا من الناس هذه الوليمة زاعمة أنها لاتريد من عملها سوى سرور الأخ المؤمن ولاشيء غيره، فإن أردت اختبارها في ذلك فاعرض عليها نقض العمل من أساسه، وابتداءه من جديد، والأضراب عن هذا الفوج من الناس الذين اختارتهم نفسك، فإن جادت بذلك دون حرج في الصدر فالعمل لله حقيقة، وإن حدث الحرج في الصدر ونازعتك إلى ذلك الفوج بالذات فليس العمل لله ، وليست النفس إلا كاذبة خادعة.
وهكذا تموج كتب المحاسي بهذه التجارب الطريفة التي تدل على ذكاء فطري الا غريب لم يتيسر لغيره من أئمة السلوك إلا نادرا، وكتاب الرعاية الذي نقدمه إلى القراء في توبه الجديد خير شاهد على ألمعية الإمام رضي الله عنه .
وهكذا يؤسس الإمام المحاسي مذهبه على آساس إعادة الإنسان إلى فطرته النقية الصافية ، أما الأعمال فيكفي منها ما قل مع صحة القصد، وسلامة الهدف ، وخلاصه من الآفات، فهو لا يعني بالكم ما قد يعني كل العناية بالكيف . كما أننا لا نلاحظ في كتبه أنه عني بطقوس الطريق الصوفي التي عرفت فيا بعده، فلم يكن عصره في حاجة إلى توتيق العهود على المريدين، ولم يكن الفساد قدا استأسد واستكلب حتى يحتاج المرشد إلى ترتيب الأذكار والأوراد وتنظيمها، ولكنا راه يتحدث عن الأوراد في كتاب المسائل، ويوصي بتنظيم وتقسيم القران على اليالي، وينصح بتقسيم الليل بين الصلاة والقرآن ، ويرشد إلى أفضل أوقات الليل وتنظيم الطعام للسالك ، ولعل تلك كانت بذور التنظيم الصوفي المجيد الذي آتى ثماره الزكية من بعد الإمام رضي الله عنه .
وهو لا يتحدث عن المكاشفات والمواجيد باعتبارها أساسا في السلوك، وهكذا قال الأئمة من بعده، ولكنهم فصلوا مواجيدهم ومكاشفاتهم بما شاء الله لهم، ولكنه
Sayfa 16