============================================================
والدليل على ذلك كما فصله الإمام المحاسبي في "آداب النفوس" أن الجائع يحب الطعام، والعطشان يحب الماء، فإذا ما علقنا له الماء والطعام في عنقه أبي إلا أن يتناول منهما، فما للانسان يكتفي بحفظ سير الصالحين والأنبياء دون أن ينال من سلوكهم بالعمل على مناهجهم، إلا أن تكون نفسه قد خدعته ولم يشعر.
4 - تخليص العمل من الآفات في بدايته وأوسطه ونهايته .
وقد أفاض الإمام المحاسبي في الرعاية، وآداب النفوس، وفي عامة كتبه في الحديث عن آفات الأعمال، وخداع النفوس فيها، وأبدع في بيانه أدق الدسائس النفسية وأخفاها على الخبراء، حتى عد بحق من أوائل المؤسسين للدراسات النفسية في التراث العربي.
ومن أطرف ما فطن إليه الإمام المحاسبي: أن رقابة الإنسان على نفسه لرعاية مرات عمله لازمة بعد العمل بعشرات السنين كما هي لازمة في بدايته ونهايته، فقد يعتقد الانسان أنه صادق في عمله ، وفي تخليص إرادته لله وحده، ويعتقد الناس فيه مثل اعتقاده في نفسه، ولكن براعم الكذب قد تكون كامنة في أعماق النفس ، فلا ظهر إلا بعد عشر سنين او بعد خمسين سنة .
وقد ساق لذلك مثالا في "آداب النفوس" فقال : إنه قد يبدو لبعض الناس أن صي اسماء صلحاء المحلة وعبادهم وزهادهم، ويقيدهم في سجل، فيهمل اسم هذا العابد الذي غبر عشرات السنين معروفا بالصلاح والولاية، أو يكتب اسمه في آخرهم، فيجد هذا العابد في نفسه ، ويتحرج صدره ، ويفصح أو لا يستطيع أن فصح، وفي هذه اللحظة ظهر كذبه طوال هذا الزمن ، إذ بان أنه لم يكن يخلص آرادته لربه وحده، وإنما عمل لنفسه طوال هذه السنين.
وساق مثالا آخر في نفس المرجع يقع فيه جمهور العباد والصالحين، فقد يصنع عابد معروفا إلى بعض الناس يبتغي به وجه الله وحده بزعمه، وتمضي السنون الطويلة، ثم تبدو من العابد إلى المصنوع إليه المعروف حاجة فلا يقضيها له ، فيذكر في نفسه معروفه الذي كان قد صنع إليه منذ زمان طويل، ويجد في نفسه عليه ،
Sayfa 15