هذا الخطيب لا يستحى فيما يذكر كيف يقول الرجل مذمة نفسه، وإن كان قاله فإنما قاله على وجه التواضع، لأن الرجل قد يقول للآخر أنت خير الناس فيقول أنا أقل الناس، وهذا الذي عليه الناس فما يقول أنا خير الناس، ولو قال ذلك لعاب الناس عقله. ثم قوله تحمل شرا كثيرا إن كان أراد ما قلت فهو كذلك وإن أراد أنه فقه كلام كثير وجدل كثير فهذا عليه جميع الفقهاء. وكل فقه لا يكون كذلك فليس بشيء. والخطيب فلكونه لم يكن من الفقهاء ولا عرف الفقه ظن أنه يعيب أبا حنيفة بهذا.
وروى عن ابن الفضل إلى مزاحم بن زفر قال قلت لأبي حنيفة: يا أبا حنيفة هذا الذي تفنى والذي وضعت في كتابك هو الحق الذي لا شك فيه؟ فقال: والله ما أدري لعله الباطل الذي لا شك فيه. فهذا كما ذكر والمجتهد لا يعلم يقينا أنه على الحق ولو علم ذلك يقينا لتنزل منزلة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا عليه إجماع الأمة أن المجتهد يخطئ ويصيب وإلى هذا
أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب كان له أجران، وإذا اجتهد وأخطأ كان له أجر»
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بين هذا وإجماع الأمة عليه فمن جعله خطأ وعيبا، أتراه يكون مخطئا للفرع أو للأصل؟ وقد بينت لك من قبل أنه لم يكن غرض الخطيب إلا التشنيع والطعن على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما جعل أبا حنيفة ذريعة إلى ذلك. ولو كان أبو حنيفة قال هو الحق الذي لا شك فيه لكان مخطئا لا محالة فانظر إلى من لا يعرف الصواب من الخطأ ويعيب الأئمة.
وروى عن على بن القاسم عن أبى نعيم قال سمعت زفر يقول: كنا نختلف إلى أبي حنيفة ومعنا أبو يوسف ومحمد بن الحسن فكنا نكتب عنه، قال زفر فقال يوما أبو حنيفة لأبي يوسف: ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمعه مني فإني قد أرى الرأي اليوم فأتركه غدا، وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد. هذا قد تقدم الجواب عنه. وسيأتي في الخبر الذي بعده جواب أيضا.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن: من كتب عنى شيئا فليمحه» .
Sayfa 74