اختلفت إلى أبي حنيفة حتى مهرت في كلامه ثم خرجت حاجا فلما قدمت أتيت مجلسه فجعل أصحابه يسألونى عن مسائل كنت عرفتها وخالفوني فيها، فقلت سمعت من أبي حنيفة على ما قلت، فلما خرج سألته عنها فإذا هو قد رجع عنها فقال: رأيت هذا أحسن منه. فقلت كل دين يتحول عنه فلا حاجة لي فيه ونقضت ثيابي ثم لم أعد إليه.
هذا أبو عوانة لم يعرف من الفقهاء فقد ثبت أن قوله مهرت في كلامه ليس بصحيح وإنما مهر في كلام أبى حنيفة أبو يوسف ومحمد بن الحسن وبشر بن غياث وابن أبى ليلى وابن شبرمة وزفر وغيرهم ممن هو في طبقاتهم. ثم قوله فلا حاجة لي فيه. خلاف إجماع الأمة، لأنا نعلم يقينا أن القرآن العزيز فيه الناسخ والمنسوخ، كذلك السنة فإذا قال الفقيه قولا ثم علم أنه منسوخ كيف يحل له الوقوف عنده؟
وهذا لم يفعله أبو حنيفة وحده، وقد فعله جميع الفقهاء من الصحابة والتابعين وغيرهم. ومذهب على رضى الله عنه أنه. قال: كنت لا أرى بيع أم الولد في زمن عمر، واليوم فقد رأيت ذلك. فهذا أيضا رجوع عن مذهب وتمسك بآخر. وابن عباس قد نقل عنه كذلك أيضا في مسألة العول، أنه. قال: ما كان المال إن يكون له نصف ونصف وثلث. فقالوا له: إنك كنت تراها في زمن عمر. فقال هبته وكان رجلا مهيبا.
فانظر إلى الخطيب كيف يروى الشيء وضده ويجعله عيبا والشيء وضده لا يكونان عيبا، لأنه قال في الحكاية التي ذكر فيها أبا حنيفة: وإن مالكا قال ما ظنكم برجل لو قال هذه السارية من ذهب لقام بحجته، أى لجعلها من ذهب وهي من خشب أو حجارة. ثم قال قال أبو محمد- يعني أنه كان يثبت على الخطأ ويحتج دونه ولا يرجع إلى الصواب إذا بان له- ففي هذه الحكاية أخبر أنه لا يرجع وجعله عيبا، وفي هذه أخبر إنه يرجع وجعله عيبا، فهذا أيدك الله يعلم منه أنه انما أراد التشنيع ولم يرد التثبيت ولم يكن له من المعرفة ما يفرق به بين الجيد والرديء، ولا من العلم ما يعرف به الخطأ من الصواب.
وروى عن أحمد بن الحسن بن إلى النضر بن محمد قال: كنا نختلف إلى أبي حنيفة وشامي معنا فلما أراد الخروج جاء ليودعه فقال: يا شامي تحمل هذا الكلام معك إلى الشام. قال نعم قال تحمل شرا كثيرا.
Sayfa 73